الفلبين تتقرّب عسكرياً من روسيا

بانوراما 2020/01/24
...

ديمتري سايمس
ترجمة: بهاء سلمان
بمشاركته مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين منصة منتدى نقاش فالادي الرفيع المستوى خلال بداية تشرين الأول الماضي، كان الرئيس الفلبيني رودريغوز دوتيرتي يعبر عن جرأة ذاتية تعكس شخصيته، فقد شجب بذلك الولايات المتحدة وأوروبا. السبب الظاهري وراء ذلك هو معارضة الغرب لحربه ضد المخدرات التي قتلت آلاف الفلبينيين؛ غير أن الجمهور الحاضر أمامه، نخبة السياسة الخارجية لروسيا، لم يكن محض صدفة.
مثلت زيارة دوتيرتي الحركة الأخيرة في الشراكة الأمنية السريعة الازدهار التي تعمل بصمت على اعادة صياغة رقعة الشطرنج الستراتيجية لقارة آسيا، بين الفلبين، الحليف التقليدي لأميركا، وروسيا، الند الأول لواشنطن. 
ومنذ تسلم دوتيرتي للسلطة سنة 2016، وصلت السفن الحربية الروسية ست مرات للمياه الفلبينية، وأهدت روسيا في العام 2017 آلاف البنادق والخوذ وكمية كبيرة من الذخيرة، اضافة الى عشرين عربة نقل الى
الفلبين.
وعبرّت الفلبين بدورها عن اهتمامها بشراء غواصات وطائرات مروحية روسية، لتزيد بذلك هموم واشنطن. 
وعرضت موسكو مؤخرا تدريب القوات المسلحة الفلبينية، واستضافة تدريبات عسكرية مشتركة، كما عيّنت روسيا خلال أيلول من العام الماضي أول ملحق عسكري لها في مانيلا منذ سقوط الاتحاد 
السوفييتي. 
بالنسبة لدوتيرتي، تعد هذه العلاقة أحد أهم الضروريات لمواجهة الحكومات الغربية الرافضة لبيع السلاح الى بلاده، فعندما حل العام 2016، أوقفت الولايات المتحدة تسليم 26 ألف بندقية الى مانيلا إثر المخاوف من ارتكاب حكومة دوتيرتي أعمال قتل خارج نطاق القضاء وخروقات أخرى لحقوق الانسان ضمن مساعيها لاجتثاث تجار المخدرات؛ بيد أن تطور العلاقة بين موسكو ومانيلا لا يعقد فقط العلاقات الأميركية الفلبينية، ورغم التصريح العلني للكرملين حول الشراكة الجديدة مع الصين، يزداد شعور النخبة السياسية الروسية بالقلق إزاء الاعتماد المفرط جدا لروسيا على جارتها الجنوبية، وسط خضم ابتعادها عن أوروبا ووطأة العقوبات الأميركية، بحسب المحللين. ويصيب النخبة أيضا إحباط متزايد مع رغبة الصين الباهتة للاستثمار داخل روسيا، أو الانضمام إليها لمقاومة العقوبات الغربية ضد موسكو، كما يقول اليكس ماسلوف، استاذ
الاقتصاد بالجامعة الوطنية للأبحاث.
 
البحث عن بدائل
 ولمواجهة هذا الاختلال المتنامي، يسعى الروس لاقامة شراكات مع لاعبين آخرين ضمن القارة الآسيوية، ومنهم أولئك الذين لديهم علاقات متعسرة مع الصين، لتجد الفلبين أفضل من يطبق هذه الوصفة بشكل ممتاز، خصوصا مع تقاطعها مع الصين بسبب خلاف بحري. يقول ماسلوف: “تعد الفلبين شريكا مهما للغاية من هذا المنطلق لأن روسيا تتدخل لأول مرة في منطقة تهم كلا من الولايات المتحدة والصين سوية. انها خطوة جديدة ومهمة جدا بالنسبة لنا.”    
وتدفع أسباب أخرى أيضا بروسيا والفلبين نحو التقارب، بداية من باعجاب دوتيرتي الصريح ببوتين واستعداده لتحدي الغرب. وفي أول أيام تسلمه لموقع الرئاسة، امتدح الزعيم الفلبيني الرئيس الروسي، واصفا اياه بأنه “بطله المفضل”، معلنا عن نيته موازنة علاقات الفلبين بالولايات المتحدة من خلال التقرّب الى موسكو وبكين.
وينقاد الدعم العسكري الروسي للفلبين أيضا من الرغبة المشتركة برؤية ذلك الدعم يسود في معركة طويلة استغرقت عقودا، ولا تزال قائمة، ضد المتمردين المنضوين لحركات دينية متطرّفة في الجزء الجنوبي من هذا البلد الواقع جنوب شرق آسيا. وتحرص موسكو على عدم انتشار حالات التمرّد ووصولها الى حدود روسيا، كما يقول ديمتري موسياكوف، الخبير بشؤون جنوب شرق آسيا في الأكاديمية الروسية لمعهد العلوم والدراسات الشرقية.
يقول موسياكوف: “نحن ندرك ماهية الأوضاع عندما يتعلّق الأمر بهذه المجاميع الاسلاموية المتطرّفة، فبيومنا هذا هم يقاتلون داخل الفلبين، وربما سيقاتلون غدا في سوريا، وربما سينتقلون بعدها للقتال في أواسط اسيا او أية مناطق اخرى. 
في مثل هذا الوضع، نحن نساعد أنفسنا من خلال مساعدة الفلبين.” ولأجل التأكد، يواجه التعاون العسكري الروسي الفلبيني الوثيق عقبات ضخمة رغم الاهتمام المشترك 
القوي. 
 
مطالب صعبة
ويقول فيكتور موراخوفسكي، رئيس تحرير صحيفة عسكرية روسية، أنه يشكك باقدام الفلبين على اجراء أية صفقة كبرى لشراء السلاح الروسي بسبب محدودية ميزانيتها العسكرية؛ ويطرح تساؤلا إن كان لدى موسكو الشيء الكثير لتعرضه على مانيلا فيما يتعلق بماهية الأسلحة: “بسبب موقعها، تشدد الفلبين على المعدات البحرية، والطيران الذي بمقدوره مساعدة القوة البحرية. نحن لا نملك أسلحة كثيرة في هذه المجالات التي من الممكن أن تثير اهتمام الفلبين.” أما مسألة تدريب روسيا للقوات الفلبينية، فهي تبدو وعود صعبة التنفيذ، بحسب موراخوفسكي، فلم يسبق للبلدين أبدا الدخول في تدريبات عسكرية مشتركة، ولم ترسل الفلبين من قبل ضباطها للدراسة لدى الأكاديميات العسكرية الروسية، وهي اجراءات مهمة لبناء الثقة وتبادل المعلومات بين الجيشين. ولأجل التحرّك نحو شراكة عسكرية بنوية وطويلة الأمد، ينبغي على البلدين البدء عمليا من خط الشروع وقضاء سنين لوضع الأسس فقط، يحذر الصحفي الروسي.  
بينما من المحتمل اتخاذ دوتيرتي لخطوات بذلك الاتجاه، يشير موراخوفسكي لعدم ثقته بمقاومة الحكومات التالية للفلبين للضغوط الأميركية مثلما يفعل الرئيس الحالي: “من المهم التذكير أن كامل الآلة العسكرية السياسية للفلبين قد تم توجيهها صوب الولايات المتحدة، وتأمل بتحويل كامل الآلة بدرجة 180 سيكون أمرا جريئا للغاية.” الا أن المحللين الروس من أمثال موسياكوف يشيرون الى السرعة التي تتمحور بموجبها الفلبين حول روسيا تحت قيادة دوتيرتي، وينظرون اليها كعلامة على التفاؤل بعلاقات مستقبلية بين موسكو ومانيلا. يقول موسياكوف: “كانت الفلبين أكثر بلد من جنوب شرق آسيا ابتعادا عن روسيا. وإذا نظرنا لما حصل بين العام 2016 لغاية الآن، سنرى قطعنا لشوط طويل”.