الجانب المخفي لحياة أول امرأة تقود طائرة مقاتلة في العالم

بانوراما 2020/01/26
...

مات ناشد
ترجمة: شيماء ميران
تعد القصة المعلنة لحياة صبيحة كوكجن نوعا من نسج الخيال. إنها تلك الفتاة ذات 12 ربيعا التي اقتربت بلا خجل من مؤسس تركيا ورئيسها الاول مصطفى كمال باشا عند زيارته دار الايتام عام 1925، حيث كانت تعيش كوكجن، وطلبت منه مساعدتها في الالتحاق بمدرسة داخلية، عندها اعجب كمال باشا جدا بطموح الفتاة فتبناها واعادها الى انقرة.
بعد تسع سنوات ارتأى قانون الالقاب التركي بان جميع المواطنين الاتراك يجب ان يختاروا اسما للعائلة، فاصبح اسم كمال باشا (كمال اتاتورك)، ويعني "ابو الاتراك"، لذا كان الاطفال الثمانية الذين تبناهم اتاتورك بحاجة الى اسماء ايضا، اما صبيحة فقد منحها اسم "كوكجين" ويعني "من السماء". ولم يكن احد يعلم آنذاك حتى صبيحة نفسها انها ستصبح اول امرأة تقود طائرة مقاتلة في
 العالم.
تقول المنتجة التركية للفيلم الوثائقي (فتاة السماء الاسطورية) جولسا تشيلكر: "كانت صبيحة ابنة قائد عظيم ورمزا للنساء التركيات المعاصرات، وكانت
 قدوةً لي". 
قام اتاتورك خلال فترة حكمه التي دامت 15 عاما بتغيير المجتمع التركي وخصوصا بالنسبة للنساء، فمنحهنَّ حق التصويت عام 1934، واعترف بحقوقهنَّ في الطلاق. لكن رؤية اتاتورك لتأسيس الدول التركية كانت على حساب الاكراد وإبادة الارمن عام  1915! في الوقت الذي اصبحت فيه كوكجين رمزا لتمكين المرأة في تركيا، كانت حياتها – تشبه البلاد التي تنتمي اليها – تضم احداثا مظلمة غالبا ما تُحذف في القصص
 التاريخية.
كانت كوكجين تميل الى الطيران عند حضورها مراسم افتتاح اول مدرسة طيران تركية في ايار عام  1935، ولاحظ اتاتورك انها كانت مفتونة بهواة القفز بالمظلات، فسألها ان كانت ترغب بتعلم كيفية الهبوط بالمظلة. بعدها بوقت قصير اصبحت اول طالبة في مدرسة الطيران، وسرعان ما تحولت من التعلم الى القفز من الطائرة الى تعلم كيفية التحليق بالطائرة.
 
قصف درسيم
سافرت فيما بعد الى الاتحاد السوفييتي لتلقي تدريبات اضافية، قبل ان تُعبّر عن حماسها في ان تصبح قائدة لطيارة مقاتلة عام 1936، وهو تناقض صارخ مع دول مثل اميركا وبريطانيا، التي لم تسمح للنساء ان يقدنَّ طيارة مقاتلة حتى تسعينيات القرن الماضي. وتستمر القصة بان اتاتورك اعطى مباركته لكوكجين بعد اختبار عزيمتها، من خلال اعطائها اوامر بفتح النار على كنيستها وضغط الزناد. وتزعم في مذكراتها، التي نشرت عام 1981، بانها نفذت الامر بلا تردد.
وفي اذار عام 1937، كان قد طُلب من كوكجين قصف تمرد كردي في محافظة درسيم (المعروفة اليوم باسم تونجلي). واشار ضباط الجيش للمهمة على انها "تهذيب" للاكراد، الذين قاوموا محاولات الدولة الاستبدادية لإبادة لغتهم وتقاليدهم، وفرض العلمانية التركية عليهم. واثبتت وثائق الارشيف العسكري التركي ان العملية كانت مجزرة مخطط لها بدقة، ومؤيدة من قبل اتاتورك شخصيا، من اجل إخضاع درسيم تحت سيطرة
 الدولة.
حافظت كوكجين على رواية الدولة هذه حتى وفاتها في اذار عام 2001. وزعمت ان مهمة درسيم كانت مجرد عملية استطلاعية، وانها قصفت اهدافا محددة للمتمردين فقط. الا ان الحقيقة كانت اكثر ترويعا: فقد قتل في هذه الحملة اكثر من 13 الف مدنيا، بينهم رجال ونساء واطفال.
يقول الخبير في شؤون السياسة التركية والكردية وعضو المركز العربي في واشنطن مصطفى غوربوز: "تعد صبيحة كوكجين بالنسبة للاكراد شخصية سيئة السمعة ورمزا لعنف الدولة التركية".
وتبرر تشيلكر: "كانت كوكجين تنفذ الاوامر فقط، فكان لابد لها ان تشارك في العملية لتثبت امكانيتها بتنفيذ جميع المهام التي يُكلف بها الطيارون
 الرجال".
في تشرين الثاني من العام 2011، وبعد عشر سنوات على وفاة كوكجين، قدم الرئيس التركي رجب طيب اردوغان اعتذارا عن مجزرة درسيم. واقترح الممثل عن حزب اردوغان ضرورة تغيير اسم مطار صبيحة في اسطنبول الى اسم جديد (لكن لم ينفذ اقتراحه). رغم ان اردوغان كانت له علاقات جيدة مع الاكراد، الا انها انحدرت الى الاسوء منذ
 فترة.
 
ضجة إعلامية
بحلول شباط من العام 2004 اندلعت خلافات كبيرة فعلا بين الاتراك، عندما نشرت صحيفة اغوس، التي تصدر باللغتين التركية والارمنية، مقالا جاء فيه ان كوكجين لم تكن من اصل بوسني كما زُعم عنها. والسيناريو الاكثر احتمالا كما اشارت له الصحيفة بان والديها كانا قد قتلا خلال حرب إبادة الارمن الجماعية، واستندت المقالة على إدعاء امرأة ارمنية بان كوكجين كانت عمتها.
اثارت المقالة ضجة، وتسلم رئيس تحرير صحيفة اغوس "هرانت دينك" حينها مئات من رسائل التهديد بالقتل، بعد ان اعادت صحيفة تركية كبيرة نشر مقتبسات من مقالته، (بعد سنوات عدة اُغتيل دينك على يد مراهق يميني متطرف).
كما اكد المؤرخ وصديق كوكجين المقرب بارس تولاك للصحيفة ذاتها بان كوكجين كانت في الواقع ارمنية، لكنها كانت تجهل اصولها الى ان زارها أقرباؤها خلال ثلاثينيات القرن الماضي. وزعم تولاك انها اخفت اصولها خوفا من ردة فعل وطنية عنيفة في
 البلاد.
على العكس من مجزرة درسيم التي يبررها الكثير من الاتراك بانها كانت من اجل الدفاع عن رموزهم الوطنية، فإن مجرد افتراض ان كوكجين كانت ارمنية الأصل يسرق منهم صورة البطل الوطني. ويعتقد اخرون ان في ذلك تلميح بان اتاتورك، الرجل الذي ما زالت البلاد تمجده، كان كاذبا.
يقول رئيس تحرير جريدة اغوس الحالي يافارت دانزيكيان والصديق المقرب لدينك: "في نظر الجيش، اي شخص يقول ان صبيحة ارمنية، يعني الاعتراف بحقيقة الإبادة الجماعية ضد الارمن، واتهام شخص رمزهم البطولي
 بالكذب".
 
 
مجلة اوزي الأميركية