قد تبدو تساؤلاتي ذاتية الوجود منغلقة عن واقعها وخارجة عن نطاق احتمالات الكون. وقد تكون أضغاث أحلام تسربلت لوعي نائم في صحراء الإنسانية. فإذا كان هكذا الفهم العام والسائد الذي كثيرا ما يؤكد أنّ الإنسان يعدّ الأهم في هذا الوجود، فإنّ فكر ذلك الأهم هو الذي يحدد مساره
حين قرأت كتاب الباحث صباح محسن كاظم الموسوم (العلامة التراثية في الازياء السومرية/ رموز وخبايا)، وجدت ان منطلقات الكاتب هي الحضارة السومرية، كونها أقدم حضارة في العالم، وقامت الحضارة في الأجزاء الجنوبية من بلاد الرافدين، كما نعرف، واشتُقّت التسمية من اسم أراضي بابل، التي كانت تحمل اسم سومر قبل 2000 قبل الميلاد.
مكث الباحث صباح وتشعب منقبا في هذه الحضارة كثيرا، قبل ان يلمَّ بموضوعته الاصل، وهي (العلامة التراثية في الازياء السومرية)، حيث ثبت ان دراسة التاريخ، عند الباحث وخاصة تاريخ وحضارة ما بين النهرين، بمثابة المسؤولية المعرفية والفكرية والثقافية، ناهيك عن انها مسؤولية اخلاقية تجاه كل الانسانية.
ويقول الباحث صباح في معرض مخرجات دواعي بحثه: فـ(معرفة كل مايحيط بالمجتمعات من طقوس اجتماعية في الزواج، والعلاقات الاجتماعية بكل تفاصيلها، والفلكلور الشعبي، والازياء التي يقتنيها ويرتديها، فهي تعكس سايكولوجية الافراد وموروثاتهم في ارتداء الملابس والازياء)، من هنا ظل في دائرة المكتشفات الاثارية، حيث عُثر في مدافن اور على كنوز ذهبية وفضية واقراط وملاقط وقلائد ثمينة يرجع تاريخها الى 3500 قبل الميلاد، واثبت الباحث ان التزيي، والتزين والالوان ولبس الحلي، هي جزء من الثقافة السومرية، وبعد ان اثبت عراقة الحضارة السومرية، وكونها اقدم حضارة في العالم، التفت الى اعطاء اشارات في العلامة التراثية في الازياء المعاصرة وغيرها.
قائلا: (عادة ما ترتدي النساء في حفلات الولادات، والزفاف، والافراح، والاحزان الزي التراثي، وحتى في عروض الازياء يُركز على التراث في الملبس)، وكي يعمق احترام الشعوب لحضاراتها اكد لجوءها الى علامات التراث وعلاقاتها بالحداثة.
قائلا: (وربما تساير الحداثة مقتبسة من الازياء وعلاماتها الدلالية في نسج الحديث وخياطته وفق جذور الزي الفولكلوري)، تلك الازياء المرصعة بالذهب والفضة والزينة في معظم مناطق الوطن العربي، كما هو في الازياء التونسية وطقوس الزواج، وعالج الكاتب معايير الجمال وفقا للذوق والمزاج النفسي، كون هذه المعايير تتميز بالنسبية بين شعب واخر بحسب الموروث والاعتقادات والامزجة، التي قد تنتقل بين الاجيال، وتوقف عند عبارة الدكتور عقيل مهدي يوسف، ان (المرأة لا تولد امرأة، بل تصبح امرأة)، (بمعنى ان الانسان، ذكرا او انثى، يأتي الى العالم، وهو”كائن” صاف، لاتشوب كينونته أي نظرة تقويمية، او قيمية، تنتقص من “انسانيته”، لكن عبر تجارب تأريخية محددة، نجد ان بعض المجتمعات، اكثر من سواها.
استلبت حقوق المرأة اكثر من الرجل لاسباب متنوعة)، ليعكس هذا الامر على موضوعة الازياء والزينة بين الرجل والمرأة، وكل هم الباحث صباح محسن كاظم كان منصبا على الاهتمام بالتراث والحضارة بصورة عامة، لكنه ركز على العلامة التراثية في الازياء، محاولة منه للم الموضوع، كي يظهر اهمية التراث، واهتمام شعوب الكون بموروثاتها وحضاراتها، قائلا: (لا ريب ان ربط الاجيال بتاريخها وحضارتها ورموزها لمسؤولية
جماعية يشترك بها السياسي والثقافي معا، وعلى النخب الفكرية والعلمية والبحثية بذل الجهد المعرفي من خلال تقديم الدراسات والبحوث التي تستخلص الدروس والعبر والحكمة من حضارتنا المشرقة في كل امصارنا، التي تعلم منها الغرب وعزز البناء الحضاري والعلمي والتكنولوجي والابداعي، لدى شعوبه ومجتمعاته من ثراء نهضتنا في مسيرتنا التأريخية من التوحيد الابراهيم الى رسالة الخاتم المعصوم سيد الرسل والانبياء حبيبنا المصطفى “ص” ووصول حضارتنا الى الاندلس والصين وفرنسا) والى كل بقاع العالم، حيث التلاقح الفكري بين الحضارات، أسهم بالتوهج العلمي المعاصر.
نستطيع ان نقول: ان الإنسان العراقي أقدم من عرف الملابس والأزياء وتفنن في صنعها، وتدلنا النقوش السومرية والتماثيل البابلية والآشورية، على مدى الخيال الخصب لهذا الانسان في إيجاد النماذج والتنوع لقطع الملابس، التي كان يرتديها، فكان له في كل مناسبة
زي خاص يستعمله لأغراض تلك المناسبة فمنها : لعمله اليومي أوللأعياد أوللاحتفال بالانتصارات أوللزواج وزيارة المعابد..
- كتاب (العلامة التراثية في الازياء السومرية/رموز وخبايا) للكاتب صباح محسن كاظم/دار تموز للطباعة والنشر والتوزيع/دمشق الطبعة الاولى 2013