حسب الله يحيى
المتابع للحركة النقدية في العراق، لابد من أن يتبين ظاهرة واضحة المعالم، تكمن في هذا الكم من متابعة ورصد الكتب السردية والشعرية، ولا وجود لأي اهتمام بالكتب العلمية والفكرية والمعرفية والمترجمة.
هذا من جانب، ومن جانب آخر، نتبين ان معظم (كتاب النقد) يقفون عند مفردات وقاموس لغوي محدد، يتم استخدامه مع معظم الكتب الادبية. الى جانب المحدودية في استخدام اللغة والمصطلحات، مع استشهاد بالنصوص ثم ينتهي الامر بالحمد والثناء على (المبدع الصديق).
ان هذا الواقع النقدي العراقي، يشير الى مسألتين:
الاولى: ان كتابنا لا يقرؤون إلا الكتب المهداة إليهم من المؤلفين، ولا شأن لهم بالكتب الجادة والمعمقة والرصينة، لان هناك قلة من يؤلفون او يترجمون هذه الكتب، ومن ثم فان معظمهم لا يفضلون اهداء كتبهم إلا على نطاق محدود جداً..
الثانية: ان (الناقد العراقي / النشط) ناقد عابر، لا يتوقف عند كشف هذا الكم الهائل من الكتب والمطبوعات الرديئة، ولو تيسر الامر، وتوضحت صورة الناقد الموضوعي الجاد، لكان (دليل القارئ الى الكتاب الرديء) من اهم الأبواب المقروءة والمثيرة للاهتمام والجدل والمناقشة في حياتنا الثقافية، إلا ان هذه الحركة النقدية، التي نرصد أبرز سلبياتها، تتخطى مثل هذه الزاوية، بوصفها تقود صاحبها الى الخصومات والى العقد والاشكاليات، لذلك يختار معظم نقادناـ
إلا باستثناءات قليلة ونادرة ـ الجوانب التي ترضي كل الاطراف، والتعايش في واقع سلبي وسلمي، ليكون الخيار الافضل والاكثر مقبولية على المستويين الادبي والاجتماعي..
ان هذا الحال الذي نشهدها في حياتنا الثقافية، من شأنها ان تشل هذه الحركة وتجعل من هويتها، هوية عابرة ولا تاريخ راسخا لها، بوصفها تعبر عن مرحلة سياسية هشة تعيش فيها البلاد، وبدلاً من الارتقاء بهذه المرحلة وتقديم غذاء ثقافي معرفي وعلمي ينهض وينبه الى ضرورة ايجاد مخرج للازمات التي تمر بها البلاد؛ نجد ان روح السكينة والاستسلام والمواءمة والملاءمة تتفاعل مع هكذا اجواء مرّة.
وكان الأمل ان تتجاوز حياتنا الثقافية والنقدية منها على وجه الخصوص، هذه الاوضاع الرثة التي نعيشها راهناً، والتوجه الى ثقافة ووعي ونقد يكشف عن كل السلبيات المحيطة بها ومن بينها الحركة النقدية التي ترصد بكثافة واقع الاصدارات التي بات كل من يمتلك مالاً يتحول بين ليلة واخرى الى (مبدع كبير) على وصف (نقاد اليوم) وكأن الموهبة والالهام وحدهما كافيان للعمل الادبي البارز والمهم والمعبر عن واقعنا الملتهب اليوم.. ان هذا النتاج الرث في كتابات اليوم وما يرافقها من متابعة ورصد سلبيان، كونها لا يكشفان عن الجوهر الحقيقي لهذه الكتابات، ومن شأنها إلحاق الاذى والكسل والهامش في معطيات الثقافة الوطنية في العراق راهناً. ان الامل مرهون بنقادنا الكبار الذين تقاعسوا او انصرفوا الى الصمت ـ في الغالب الاعم ـ انهم مسؤولون عن انتشار هذا الكم الهائل من الكتابات الانشائية العاجلة والخالية من المعاني السامية والاصيلة والفاعلة في حياتنا الاجتماعية، ومثل هذا التقاعس، يتيح الفرص ويجعل من يعد نفسه ناقداً؛ هو الحاضر في جلساتنا النقدية والكتابات العابرة التي تنشر هنا وهناك، من دون ان تترك صداها واهتمامها، إلا لدى (المؤلفين) الهامشيين باعتبار ان الاجواء ملائمة لكلا الطرفين حتى يظهرا في هذا الزمن الذي لا يمكن ان نقيس به حياة ثقافية عراقية راقية تنفتح على حاضر ساخن ومستقبل مجهول..