دافوس.. تخمة النخبة

آراء 2020/01/26
...

محمد شريف أبو ميسم 
يصف "صامويل هنتغتون" مجموعة منتدى دافوس "بأنها ثقب لسقي النخبة"، وهنتغتون هذا الذي غادر الحياة، كان ابنا بارّا لمؤسسة الحكم الأميركي، وصاحب كتاب "صراع الحضارات"، فهو فضلا عن كونه برفيسورا في جامعة هارفرد لنحو ثمانية وخمسون عاما، ومفكرا محافظا ، فقد كان مخططا أمنيا في إدارة الرئيس جيمي كارتر، وأحد أكثر علماء السياسة تأثيرا في النصف الثاني من القرن العشرين، وهو حين يصف منتدى دافوس بهذا الوصف، يكون قد منحنا تفسيرا لاحتجاجات الحركات المناهضة للعولمة التي عادة ما تنشط سنويا بالتزامن مع انعقاد هذا المنتدى النخبوي، على الرغم مما يقال بشأن هدف هذا التجمع الرامي الى "تحسين وضع العالم".
ويدّعي المناهضون للعولمة أن هذا المؤتمر السنوي يجعل البلدان الفقيرة فريسة للأغنياء من خلال الترويج المفرط للرأسمالية العالمية، وهذا ما عبرت عنه في العام 2012 حركة "احتلال وول ستريت" التي تنشط ضد عدم المساواة بالاحتجاج في دافوس عبر بناء كوخ على هيئة أكواخ الأسكيمو ضم نحو 50 محتجا. وفي العام الماضي، نقلت لنا وسائل الإعلام خطبة عصماء على منصة المنتدى للمؤرخ الهولندي"روتجر بريغمان" انتقد فيها بشدة الحاضرين لتهربهم من دفع التزاماتهم الضريبية. وعلى الرغم من اتخاذ القائمين على ائتلاف الأقوياء هذا، مسمى المنتدى الاقتصادي العالمي في العام 1987 لبيان اهتمامهم بالقضايا الاقتصادية والسياسية العالمية بما في ذلك الفقر والمشاكل البيئية والصراعات الدولية، إلّا أن الاحتجاجات المناهضة لأنشطة المنتدى بقيت متصاعدة سنويا، تحفزها ملامح البذخ التي تحف بالأغنياء الكبار في العالم وهم يتجمعون في منتجع دافوس المعروف عالميا باحتكاره لصالح أسياد المال، حيث يتقاطر الضيوف بالمروحيات الخاصة، وتتواصل الحفلات الباذخة على مدار الوقت، فيما تؤكد تقارير صادرة عن منظمات غير دولية أن 95 بالمئة من سكان الأرض تتوزع عليهم بشكل غير عادل 10 بالمئة فقط من ثروة هذا الكوكب، ويحتكر أسياد المال 90 بالمئة من هذه الثروة، وهي أرقام تقترب مما أشار إليه "ستيفن سي كورتن" في كتابه "عندما تحكم الشركات العالم"، فيما تؤكد منظمة أوكسفام غير الحكومية البريطانية، إن ثروة هذا الكوكب تراكمت عند أثرى أثرياء العالم الذين يشكلون واحد بالمئة فقط من سكان الأرض.وحين استجاب القائمون على المنتدى عبر توجيه دعوات للدول النامية والمنظمات غير الحكومية بمؤتمر دافوس المفتوح بالعام 2003، كان المثير للسخرية أن لا يتساوى الجميع في حضور الفعاليات، بل يتحدد عبر هويات دخول بألوان مختلفة تحدد نوع الفعالية ومَنْ سيجلس مع من، حيث يحصل الضيوف الذين يطلق عليهم "رفيعو المستوى" على شارة بيضاء تتيح لهم الدخول إلى أي مكان. وحسب ألوان مقياس درجات الحضور تدرجا يحصل ممن تأتي أسماؤهم في ذيل القائمة على ما يعرف بـ "شارة الفندق" التي لا يسمح لحامليها الدخول مطلقا إلى مركز المؤتمرات. وهذه الدالة تمنحنا مؤشرا لطبيعة النهج الذي يقاد فيه العالم من قبل الأغنياء، إذ كثيرا ما تستخدم الشركات التي تحكم العالم هذا الحدث لتقديم تعهدات بشأن قضايا تتعلق بالحفاظ على النظم الحيوية باستخدام أمثل للموارد الطبيعية والطاقة النظيفة وتنظيم الاقتصاد والحياة الاجتماعية وتحسين التنوع المجتمعي، وخلاصة القول ما جاء على لسان، رئيس تحرير مجلة "تايم" الأمريكية، أناند غريدهارادس، الذي وصف مؤتمر دافوس في العام الماضي بـ"لقاء لم شمل عائلي للأشخاص الذين تسببوا في إفلاس العالم الحديث".