انعكاس الأزمات الإقليمية والدولية على البلاد

آراء 2020/01/26
...

د.عبد الواحد مشعل
يحتل العراق موقعا جيو- سياسيا ستراتجيا في منطقة الشرق الأوسط،  ترك ذلك آثارا خطيرة على وضعه السياسي والاقتصادي والثقافي خلال التاريخ، فكان هدفا للغزوات الأجنبية وممرا للجيوش الغازية شرقا وغربا، كما كانت ساحته الداخلية مجالا للصراع الإقليمي كما حصل من صراع بين العثمانيين والفرس خلال القرون الماضية من التاريخ الحديث، وقد ترك ذلك وغيره تأثيره في الثقافة والشخصية العراقية. 
وتشكل أزمات مدارات العراق الإقليمية والدولية تأثيرا متعدد الجوانب على العراق المعاصر، ولعل أبرز المسائل التي شغلت المنطقة العربية  خلال العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين هي تفاقم هذه الأزمات ولا سيّما التدخل الإقليمي والدولي في وضعه الداخلي حتى غدا مسرحا لصراع القوى الإقليمية كالصراع السعودي الإيراني والصراع المحتدم بين تركيا وأطراف عربية ودولية بسبب الاتفاقية التركية الليبية كما تصاعدت صراعات هذه القوى على الأرض السورية، و قد أضر ذلك بالدولة العراقية سواء في مجال غزو الإرهاب أو تفاقم الأزمات الاقتصادية وضعف إدارة التنمية وجمودها، فضلا عن مشكلات كثيرة منها صراع النفوذ الأميركي الروسي، وغيرها من قبل أطراف أخرى  على الحصول على موطئ قدم في منطقة البحر الأبيض المتوسط، فضلا عمّا تمتلكه المنطقة العربية من ثروات نفطية وطبيعية هائلة، واحتلالها  موقعا ستراتيجيا بالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط بكاملها.
 
أسباب الصراع
 مثّلت كثير من منطقة الشرق الأوسط واقتصادها الظاهر والكامن في الأرض حالة فريدة قد تكون قطبا مهما الى جانب الأقطاب الأخرى ما يجعلها تشهد نهضة حضارية مميزة إذا ما تمكنت من استغلال ثرواتها ونمت المعرفة العلمية فيها ما يجعلها مؤهلة في تحقيق تحول صناعي الى جانب ثرواتها النفطية والغازية ما يجعلها منافسا شرسا لكثير من الدول المصنعة حينما تدخل السوق العالمي إذ يمكن لها إذا ما حققت نهضة صناعية أن يحصل تغير بنيوي في أنظمتها الثقافية لا سيّما إذا تمكنت من إجراء عملية تنمية بشرية ناجحة وتحقق خطوات فعالة في المجالات الاقتصادية والثقافية، كما أن ذلك سيزيد من حد الصراع في المنطقة بين القوى الإقليمية والدولية، ولعل أبرز متغير في هذا المجال هو الصراع الروسي القطري في مجال الغاز ورغبة قطر في جعل سوريا ممرا له خلال أراضيها تجاه أوربا، وهذا يزعج روسيا التي تطمع أن يكون غازها الأكثر قبولا في تدفقه الى أوربا، فضلا عن أسباب ايديلوجية والبحث عن مناطق نفوذ في الشرق الأوسط  سواء ما يتعلق الأمر بما تريده بريطانيا وفرنسا كقوى متنافسة الى جانب أطراف دولية أخرى في ذلك، ما يجعل العراق متأثرا بكل هذه المصالح المتقاطعة في المنطقة، فضلا عن ذلك ما تشهده الساحة من تنامي الصراع المعلن والخفي بين السعودية ومصر والإمارات من جهة وتركيا من جهة أخرى لأسباب ايديلوجية واقتصادية فتركيا تساند أطرافا أهمها قطر وحكومة الوفاق الليبية ضد تحالفات أخرى في المنطقة، فضلا عن مخاوفها من تنامي نفوذ القوى الكردية المناوئة لها على حدودها الجنوبية، ما يؤكد أن المنطقة بمداراتها الإقليمية والدولية تشهد صراع نفوذ محتدم، ما يجعل العراق متأثرا بها الى حد 
كبير. 
 
مخاطر الربيع العربي
 إن أبرز المخاطر التي أثرت في المشهد السياسي على الساحة العربية هو ما يطلق عليه الربيع العربي الذي وظف سياسيا على الرغم من قيمته الاعتبارية والسياسية بالنسبة لشعوب المنطقة في مسألة تخلصها من نظم جثمت على صدرها سنوات طوال،  ما جعل إسرائيل أكثر المستفيدين من الوضع الحالي ولا سيّما بعد أن نجحت في أخراج مصر من دائرة الدولة القائد في المنطقة منذ  اتفاقية كامب ديفيد، وكذلك إخراج العراق من ثقله السياسي والعسكري والاقتصادي من خلال الاستفادة من تورطه بحروب إقليمية انعكست سلبا على البني الاقتصادية والثقافية.
 
خطر الإرهاب    
 كذلك أثّر الإرهاب بشكل كبير في تعقيد الأزمات الإقليمية للمحيط العراقي ومحاولة السيطرة على المنطقة بدعم كبير من أطراف عدة في المحيط الإقليمي للعراق، من أجل إرباك وتفتيت البلدان العربية، وبالأسلوب نفسه تم دعم الإرهاب في العراق واحتلال أجزاء واسعة منه. 
 
إنقاذ العراق
إن العراق بوضعه الحالي يحتاج الى سياسات رشيدة على المستوى المحلي والإقليمي والدولي، وأن ينأى بنفسه عن كل الصراعات الجارية في المنطقة، وهو أمر ليس من السهل تحقيقه إلّا من خلال الالتفات الى أوضاعه الداخلية وعلاج مشكلاته المختلفة، فليس من المنطق أن يساعد الآخرون العراق في الخلاص من أزماته، والعراقيون أنفسهم لا يعملون على استثمار إمكانياتهم المعرفية والاقتصادية في تنمية البلاد وحل أزماتهم، وهذا لا يأتي إلّا من خلال الشعور بالمسؤولية الوطنية من أجل حل مشكلات الإنسان العراقي، والعمل على إشباع حاجاته الإنسانية، وبناء دولته المستقلة التي يكون همها الأول تحديث البلاد  ونقلها الى مستوى متقدم من التطور والرقي، وإذا تمكن العراقيين من تحقيق ذلك عندئذ سيكونون قادرين على اتّباع سياسات عقلانية رشيدة تضع أولوية المصلحة الوطنية أولا 
وأخيرا.