كان الاقتصاد السوري قبل العام 2011 الاقتصاد الوحيد في المنطقة المكتفي ذاتياً، تمكن من تأمين معظم - إنْ لم نقل كل- احتياجات المواطن السوري المعيشية، سواء تلك الأساسية منها أو حتى الكماليات التي كانت في وقت من الأوقات حكراً على الطبقة الغنية في المجتمع، لم يكن ثمة فرق كبير بين الطبقات الاجتماعية في المجتمع السوري الذي غلبت عليه الطبقة المتوسطة بحيث كانت أغلبية الشعب تعيش بمستويات متقاربة، لكنَّ هذا الواقع سيتغير بالتدريج مع بداية أحداث العام 2011 في البلاد وبدء العمليات العسكرية وما صاحبها من تدمير للبنى التحتية، والسيطرة على مصادر الطاقة من قبل التنظيمات الإرهابية، إلى سرقة المعامل والمصانع السورية وترحيلها إلى دول مجاورة، وليس آخرها العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الدول العربية والغربية على الاقتصاد السوري والحكومة السورية ورجالات الاقتصاد من تجار وصناعيين.
كان آخرها القانون الأميركي الذي عرف بـ "قانون قيصر أو سيزر" وما تضمنه من عقوبات وتضييق على الدولة السورية وحلفائها، فضلاً عن الأحداث التي بدأت تشهدها دول الجوار، لا سيما في لبنان الذي انعكس بشكل أو بآخر وفقاً لخبراء اقتصاديين على الوضع الاقتصادي السوري بسبب إيداع غالبية التجار والصناعيين السوريين أموالهم في المصارف اللبنانية، ما انعكس سلباً أولاً وقبل أي شيء على المواطن السوري وتالياً على الحكومة التي لم تألُ جهداً طيلة سنوات الحرب لترميم ما تم تخريبه وتدميره في البنية الاقتصادية السورية.
اليوم وبعد ما يزيد على ثماني سنوات إلى أين وصل الوضع الاقتصادي والمعيشي في سوريا؟، وهي اليوم باتت قاب قوسين أو أدنى من إعلان انتهاء العمليات العسكرية وإعادة السيطرة على كامل الأرض التي بقي كثير منها لسنوات خارج السيطرة الحكومية مع ما حوته تلك المناطق من موارد الطاقة والزراعة التي كانت الرافد الأساسي للصناعة السورية.
لا بدّ من الإشارة بداية أنَّ المواطن في سوريا لم يكن قبل العام 2011 يعير اهتماماً ولا انتباهاً لسعر صرف الدولار الأميركي، حتى أكاد أجزم أن الأغلبية "ما عدا التجار والصناعيين ورجال الأعمال طبعاً" لم تكن تعرف سعر صرف الدولار مقابل الليرة السورية إلا من خلال النشرة الاقتصادية التي كان يعرضها التلفزيون السوري، أما اليوم فقد أصبح الحاضر الدائم على موائد السوريين، بسبب ارتفاع أسعار السلع والمواد الاستهلاكية، ما اضطر الدولة ممثلة برئيسها للتدخل بإصدار مراسيم تشريعية تعدل قوانين كانت سارية شددت بموجبها عقوبة كل من يتعامل بغير الليرة السورية أو يروج لأفكار ومعلومات كاذبة حول هذا الموضوع.
وبالعودة إلى الوضع الاقتصادي اليوم بعد كل تلك السنوات الطويلة من الحرب التي أفرزت اقتصاداً مدمراً في بعض جوانبه وأزمات متتالية ليست أولها أزمة الكهرباء وصولاً إلى أزمات الطاقة من غاز ومازوت وبنزين وسواها، لكنَّ المراقب لتحركات الحكومة السورية يدرك أنَّ ثمة نقاطاً عدة لا يمكن تجاهلها قامت بها بهدف إعادة حركة الاقتصاد وما يرافقه من إنتاج وصناعة وموارد إلى سابق عهدها أو على أقل تقدير تعبيد الطريق لبدء عملية إعادة الإعمار بكل جوانبه.
لا يمكن الحديث عن وصول الاقتصاد إلى مرحلة التعافي الكلي، وبالتالي ظهور تأثيره على الواقع الحياتي والمعيشي للمواطن بالدرجة الأولى، بدون خطوات جوهريّة تقوم بها الحكومة لمعالجة المشكلات التي يعاني منها، وفي مقدمة تلك الإجراءات إعادة النظر في القوانين والتشريعات الاقتصادية لا سيما المتعلقة بالاستثمار والمصارف، لتخلق جواّ إيجابياً يجذب المهتمين والمستثمرين دولاً وأفراداً الراغبين بالمشاركة بإعادة الإعمار.
من جانب آخر لا يمكن إغفال الأعمال التي قامت بها الدولة السورية التي كانت في كل مرة تسارع لتأمين عودة المواطنين إلى مدنهم ومناطقهم التي خرجوا منها، من خلال تأمين وإعادة تأهيل البنى التحتية وإصلاح شبكة المياه والكهرباء وإعادة تأهيل المدارس والمراكز الصحية ودعم الإنتاج الزراعي، والتسهيلات التي تم تقديمها من إعفاءات وسواها للصناعيين لإعادة تشغيل مصانعهم لرفد السوق المحلية بالاحتياجات الضرورية فضلاً عن تشغيل اليد العاملة، فضلاً عن أهمية فتح المعابر الحدودية أمام البضائع مع العراق والأردن، ودعم الدول الصديقة والبدء بإنجاز العديد من المشاريع، تلك مؤشرات على بداية التعافي لكنها ليست كافية بل يحتاج الأمر إلى جرأة أكبر في إصدار القوانين والتشريعات ومكافحة الفساد وإعلان المحاسبة.