لماذا يركز بعض الصينيين على ترامب؟

بانوراما 2020/01/26
...

اليسي وينغارتين ترجمة: بهاء سلمان
 

بنشأته داخل مقاطعة شينجيانغ السريعة التأثر بالأحداث، تعلّم ليو جي أن قومية الهان هم أكثر ثراء من أقلية الإيغور المسلمة الساكنة ضمن المقاطعة ذاتها لأنهم لا يعدون أكثر من مجرد عمال كادحين. وشأنه شأن الكثير من الهان، امتعض ليو من الايغور، وألقى عليها باللائمة لأعمال العنف والشغب، رغم أن خبراء مستقلين اكتشفوا مؤخرا أن أكثر من مليون ايغوري يقبعون حاليا خلف أسوار معسكرات الاعتقال. بعد تخرّجه من جامعة شينجيانغ، والتنقّل كمهندس عبر الجزء الجنوبي من المقاطعة الذي تقطنه غالبية من قومية الايغور، تحوّل تركيز لوم ليو على الحكومة الصينية. 

بمستوى عالمي، تعرف بكين باتخاذها لاجراءات صارمة ضد سكان التبت والايغور، لكن من منظور ليو، الحكومة تساعد الأقليات من خلال الاعانات والمنافع الأخرى التي تعطيها لهم إذ يقول ليو : “سوف يلعب الايغور بالنار ويحرقون أنفسهم ... وبدون الهان كهوية وطنية رئيسة، سيكون مصير الصين التلاشي بشكل فوري.” 
ليو عمره الآن 29 سنة، ويذهب يوميا الى عمله في قطاع الاعلانات داخل العاصمة بكين من مسكنه الواقع ضمن إحدى الضواحي القريبة، وهو من بين أعداد متنامية تنتمي لجيل الألفية المعتنق لايديولوجية القومية الراديكالية، وهم يعرّفون أنفسهم بـ”القوميين الهان” على منصات التواصل الاجتماعي الصينية الشائعة المختلفة. 
ومن بين الأمور المقلقة لهذه الجماعة المعاملة التمييزية لقوم الهان ومعدلات الإخصاب الواطئة لهذه القومية؛ ويعتقدون أن المستشارة الالمانية انجيلا ميركل قد حطّمت أوروبا، بيد أن جوهر معتقداتهم هو شيء آخر، وهي فكرة رئيسة متكررة بشكل غير مرجح: دونالد ترامب زعيم البصيرة؛ ويطلقون على منتقديهم التحرريين الصريحين سياسيا في الغرب بتعبير ساخر: اليسار
الأبيض.
تهكم وانزعاج
وبينما تكون حذرة حين التحدث عن حرب التجارة، ركزت وسائل الاعلام الصينية المدارة من قبل الدولة بشكل شديد على زلات الرئيس ترامب منذ بداية ولايته الرئاسية، على أمل إظهار عيوب الديمقراطية الغربية. 
ويتعامل أغلب الصينيين مع ترامب بالسخرية والإزدراء، مع وضع الكثيرين اللوم عليه لحرب التجارة واحتمالات الحاقها الضرر باقتصاد بلادهم. وهناك تسمية لترامب على وسائل التواصل الاجتماعي باللغة الصينية، تؤكد السخرية منه لكونه يريد السوء للصين. وسيعمل توقيع ترامب مؤخرا على قانونين يسعيان لتفحص دقيق لدور الصين في هونغ كونغ على تغذية المزيد من هذه المشاعر المضادة.
لا يسير ليو وأقرانه على موقعهم مع القصة السائدة، فهم ليسوا مناصرين لأميركا، ولا ينوون “تخريب” الدولة، لكن ما يراه الآخرون بخطوات ترامب المثيرة للمشكلات هو نفسه ما يجذبهم الى الرئيس الأميركي، فالتصعيد الذي يمارسه ترامب بحرب التجارة وتهديد الصين يوضح نقطة مهمة: الزعيم الحقيقي يضع مصلحة بلاده أولا على الدوام. يقول ليو: “لا يمكن للشخص المعتنق للأفكار القومية أن يكره ترامب، رغم كونه من الأعداء.”
ورغم شهرتها بفرض رقابة مشددة، تسمح شبكة الانترنت الصينية ببعض النقاش السياسي. ومع مزاعم بقلة متابعيها من شبكات ويبو وويتشات وزيهو، فغالبا ما تعد شبكة كيورا، لكن مع مزايا تشارك الأفكار، رائجة بشكل خاص بين مؤيدي
الرئيس. 
وعند طرح سؤال “ما هو رأيك حول كون ترامب الرئيس الـ45 لأميركا؟” وصلت أعداد الردود بالايجاب الى 3749 ردا ، سؤال آخر حصل على ثمانية آلاف رد ايجابي و245 تعليقا، كان “ماذا يمكننا أن نتعلم من دونالد ترامب؟” ليس كل من على الموقع ويؤيد ترامب هو من قومية الهان. الا أن تعليقاتهم تكشف عن أن الكثير من تأييدهم يستند الى معاداة ترامب للمسلمين ولسياسات الهجرة، وتفتقد الصين الى مثل هذا التصميم تجاه هذه القضية، كما يعتقدون. 
وكتب البعض منهم معبرين عن آرائهم المؤيدة لخطوات ترامب ضد المسلمين، وكيف أن أميركا محظوظة برئيسها الحالي.
 
اعلام موجه
وفي أعقاب فوزه بانتخابات سنة 2016، ظهرت مقالة انتشرت بشكل جيد على شبكة ويبو، حملت عنوان: “الطريق الى البلاء الروحي: تأريخ تطوّر اليسار
الأبيض”. 
واستخدم تعبير اليسار الأبيض، وهي كناية عن شتيمة تم استخدامها في الصين على مدى سنوات من قبل جميع الاتجاهات السياسية للسخرية من الليبرالية الغربية المهتمة بافراط بالسياسات الباحثة بهوية الأفراد بينما تتجاهل مشكلات العالم الحقيقية. وبالنسبة للمتعصبين لقومية الهان، فهم مثل قاعدة ترامب الأميركية، يعتبرون “افتقار الصواب السياسي” للرئيس دليلا على اخلاصه وقدرته.
اندي موك، المحلل المختص بشؤون الصين والعولمة، ليس مندهشا من توجهات مؤيدي ترامب الصينيين: “يعد ترامب رجل أعمال ناجحا وشخصية مشهورة تلفزيونيا، ويميل الصينيون الى تأليه الأغنياء والناس المشهورين، فالعقارات الفاخرة وأعمال التجارة المغرية الأخرى بشكل خاص تثير الاعجاب والجذب حقا.” 
وعلى المواقع، هناك أيضا ذكر غير محبب لترامب، وبضمنها ما يتعلق بسياساته الاقتصادية ، لكن بالنسبة للمتعصبين لقومية الهان، هذا الأمر أقل أهمية من نظرة الرئيس الأميركي الى المسلمين والمهاجرين. يقول ليو: “يظن معظم الصينيين أنه مهرج، لكنني أعتقد أنه عظيم مثل منحوتات جبل راشمور”، الذي يضم نصبا تذكاريا لأوجه أربع رؤساء أميركيين منحوت على الجرانيت بارتفاع 60 قدما.