تأريخ الملابس المناهضة للامبريالية

بانوراما 2020/01/27
...

توم كاسايورس
ترجمة: بهاء سلمان
«قميص ماو»، هكذا كتب على رقعة ملصقة بجوار صور لزي رجالي بأزرار مع أحذية رياضية بيضاء اللون. ويتم بيع هذا الزي من الملابس من قبل سلسلة أزياء ألمانية، وهو عبارة عن قميص أزرق بأكمام مفتوحة استوحي من طقم الملابس الشهير الذي كان يرتديه الزعيم الصيني ماو تسي تونغ. ولربما يشك المرء بوجود عملية تسويق تجارية لرمز ماركسي سابق كي يكون نوعا من خطأ محرج لزي يمثل ايديولوجية معيّنة، لكن الواقع يشير بشكل أساس الى أن الأمر يمثل فقط الاستعادة التجارية الأحدث لشيء حصل مباشرة بعد انتهاء فترة الاستعمار.
فبعد سنوات من الهيمنة الغربية، أرادت أجزاء كبيرة من العالم النامي، التي أرغمت لمدة طويلة على اتباع الأعراف الموضوعة من قبل القوى الأوروبية والأميركية، فرض بديلاتها من البدلات والأربطة الغربية. بالتالي، أتوا بزيهم الرسمي، فكان للصين بدلة ماو، وتميّزت الهند بسترة نهرو، وارتدى الجامايكيون بدلة كاريبا، أما الكونغوليون فقد ارتدوا بدلة أباكوست.
 
رمز للاستبداد
جميع هذه الأزياء هي عبارة عن إما قمصان مفتوحة الأكمام أو معطف بأزرار، من التي تتلاءم بسهولة ضمن خزانة ملابس أي مصمم أزياء 
عصري. 
وتميّزت أطقم مشابهة بظهورها ضمن إسبوع لندن للموضة سنة 2018، بينما وضعت شركة بروناونس الصينية للملابس سترات ماو الوردية اللون على ممرات المطارات بالسنة نفسها. 
لكن بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية مباشرة، كان لهذه الملابس رسالة أكثر راديكالية، فكانت تظهر كيف أن الدول المستقلة حديثا عن الاستعمار تسعى للمضي بطريقها الخاص. يقول شين ميتزغر، الاستاذ بجامعة كاليفورنيا باختصاص المسرح والأفلام والتلفزيون، والذي كتب مقالات عن بدلة ماو: "تعتبر السياسة والأزياء أمرين مترابطين بشكل كبير، فهي تمثل وسيلة لاظهار الامتثال، ولكن المقاومة أيضا، لأنظمة سياسية 
محددة."
ومن بين جميع هذه البدائل للبدلة والربطة، تعد بدلة ماو على الأرجح الأكثر شهرة، فكلمة ’بدلة ماو‘ تعد غربية الأصل، بحسب ميتزغر، فهي عادة تصف سترة مفتوحة الأكمام، مع ياقة تطوّق الرقبة، وتحتوي على أربعة جيوب وخمسة أزرار، رغم أن الزي شهد الكثير من التنويع. ذلك الرداء، مع هذا، لم يولد مع ماو تسي تونغ، فبحسب القصة الأصلية، كان اعتماد ماو على شكل مسبق من الزي، أوجده صن يات صن، الشخصية البارزة في بداية عهد جمهورية الصين. 
يقول ميتزغر: "كان صن مهتما بانفتاح بلاده على الغرب، ولذلك رغب بتبديل الزي التقليدي، والمصطلح الصيني لطقم الملابس يتم تعريفه من خلال صن، وليس ماو."
آنذاك، وأثناء حكم أمبراطورية تشينغ العظيمة، كان الرجال عادة يرتدون الجلابيب الطويلة كملابس رسمية، بيد أن صن أراد شيئا أكثر عصرية؛ وأفضى الظلم الاستعماري للصين من قبل القوى الغربية الى عدم رغبته ببساطة نسخ البدلة والربطة الغربية. 
يقول ميتزغر: "كان سون متأثرا بكل من البدلة الغربية والزي العسكري الياباني، ليخرج بفكرة تعبر عن بدلته الخاصة، لتصير انموذجا لصين ذات سيادة، لينتقي ماو تلك الفكرة ويعززها، لتصبح في عهده ملابس الزامية".
 
نماذج مختلفة
رغم أن بدلة ماو تعد الأبرز على الأرجح، فقد كانت مجرّد واحدة من أنماط عديدة مشابهة توالدت حول العالم خلال حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية. 
ومن وحي ملابس جواهر لال نهرو، أول رئيس وزراء للهند بعد الاستقلال، برزت سترة نهرو، وهي سترة طويلة رسمية بياقة صغيرة تطوّق الرقبة، تحاكي بدلة جودبوري التقليدية الهندية.
ولنأخذ بدلة أباكوست، وهي بدلة طويلة تلبس بدون ربطة عنق انتشرت خلال سبعينيات القرن الماضي بسبب ارتداء الزعيم الكونغولي موبوتو سيسيكو لها. وكلمة أباكوست هي اختصار لعبارة باللغة الفرنسية تعني "لتسقط 
البدلة".
حتى في جامايكا، تعالت دعوة لزي بديل، وتم تبنيها من قبل السياسي الاشتراكي المناهض للامبريالية ميخائيل مانلي الذي كان من رواد بدلة كاريبا، التي تحتوي على قميص مفتوح الأكمام بياقة مفتوحة، استوحي من قميص الفرشاة. وفسر مانلي زي البذلة والربطة الغربية كونها تمثل "أول سلوك للاستسلام النفسي في الصدمة الاستعمارية."
تخفي هذه الأنماط من البدائل الجديدة تأريخا أكثر ظلمة، وهي غالبا ما ترتبط بالحكم الاستبدادي؛ فبدلة ماو، على سبيل المثال، ربما كانت تمثل رمزا مناهضا للامبريالية، لكن تم فرضها أيضا بالاكراه على الشعب الصيني من قبل الزعيم، الذي فرض ارتداء البدلة خلال الحلقات الدموية لحكمه، مثل الثورة الثقافية، التي قتلت مئات 
الآلاف. يعد موبوتو سيسي سيكو، القوة الكامنة وراء بدلة اباكوست، وكان أيضا طاغية أساء ادارة الكونغو بشكل كبير. 
بالتالي، تخلى الناس عن ارتداء الملابس أمثال بدلة ماو وأباكوست مع تنحي مناصريها عن السلطة، لتصير على الأغلب رموزا لظلم استبدادي بدلا من أن تكون رمزا لتحرير أعقب مرحلة الاستعمار.
تغيّر ذلك المعنى سياسيا واقتصاديا، فرغم اصولها السياسية، فقد تم تسويق بدلات ماو وسترات نهرو الى الغرب كعناصر للموضة، إذ ساعدت فرقة البيتلز الشهيرة على تقديم سترة نهرو الى الجمهور الغربي حينما ارتدتها خلال حفلاتها الموسيقية. 
يقول ميتزغر: "رغم النظرة الأصلية لبدلة ماو على أساس اعتبارها مثالا لكيفية سحق الشيوعية للأمور الفردية، كانت الشركات خلال نهاية الستينيات وبداية السبعينيات تنتج كميات هائلة كآخر تقليعات الموضة."
 
مجلة اوزي الأميركية