غجر بريطانيا.. ضحايا تعصُّب وتمييز وكراهية

بانوراما 2020/01/27
...

كيتي وينهام
 
ترجمة: ليندا أدور
من بين أكثر القضايا استقطابا خلال الانتخابات العامة التي جرت في بريطانيا أواخر العام الماضي، هي انتشار العنصرية بين أحزاب البلاد الرئيسة. فقد كشف تقرير صدر حديثا، ان الاسلاموفوبيا (الخوف من الاسلام) أصبح أمرا مستوطنا لدى حزب المحافظين، بينما يواجه حزب العمال مزاعم متكررة بمعاداته للسامية. لكن أحد اشكال التعصب الدائم والقبيح قد تم التغاضي عنه بشكل كامل، بالرغم من وروده مكتوبا في بيان المحافظين بعبارة: معاداة الغجر، إذ يعد التعصب ضد من يطلق عليهم تسمية "غجر" أو "روما" و"رُحّل"، أحد أكثر أشكال العنصرية انتشارا ببريطانيا، وواحد من الأنواع التي تم إذكاؤها على مدى العقد الماضي ليس من قبل المحافظين فحسب، بل جميع المؤيدين له في الاعلام الرئيس. 
قوانين وذكريات
جاء اعلان وزيرة الداخلية البريطانية، بريتي باتيل، خلال تشرين الثاني من العام الماضي، الذي حددت فيه خططا لمنح الشرطة مزيدا من الصلاحيات "لاعتقال وحجز ممتلكات ومركبات تعود لمتجاوزين ممن يقومون بانشاء معسكراتهم بأماكن غير مصرح لهم بها، بهدف حماية المجتمعات"، بدا الاعلان كاجراء قانوني، لكنه يُقرأ على انه جزء من تأريخ طويل من تجريم "الرحَل". يبقى الغجر والُرحّل، وجميع المجتمعات المتنقلة الى مساحة لركن مركباتهم التي تعد جزءا من هويتهم الثقافية، الأمر الذي غالبا ما يؤدي لحدوث صدامات، بسبب قلة تلك الأماكن، لذا، في بعض الأحيان، يضطر أكثر من 60 الف شخص من الغجر او الرُحّل الى اللجوء الى مواقف السيارات او الملاعب للتخييم فيها، وفي الغالب، يترك كثرة التنقل، الغجر والرُحّل محرومين من حق الاقتراع، اذ يتطلب التصويت وجود عنوان دائم.
تجيز القوانين المقترحة رجال الشرطة بالاستيلاء على منازل الغجر والروما والُرحّل بالقوة وتدمير ممتلكاتهم دون أي تعويض. تقول احدى الامهات الغجريات، التي فضلت عدم الكشف عن اسمها خوفا من ردود فعل عنيفة، معبرة عن خشيتها على حياة اسرتها: "سأغدو كالمجرمة اينما حللت، سأكون مجرمة في مزرعة صديق حتى لو كنت مدعوة للزيارة، احب منزلي الجميل ففيه كل شيء يمثل قيمة مادية ومعنوية عندي، فيه أول حذاء لطفلي، فيه محفظتي وهاتفي وملابسي وصوري وقدح القهوة المفضل خاصتي". ينص القانون المقترح على حظر "الرُحّل" من مناطق السلطة المحلية لمدة عام كامل، مما ولد الخوف لدى الكثير ان يجبروا على العيش في الشارع. 
 
تعقيم قسري
ينتشر مجتمع الغجر (الروما) على امتداد أوروبا مع تأريخ طويل من التحيز والكراهية. فقد وصلت أولى مجموعات الروما الى أوروبا مقبلة من الهند خلال العصور الوسطى ثم ذهبت الى بريطانيا اواسط القرن السادس عشر. بدأت أولى مراحل التمييز ضدهم حال وصولهم، جزءا منه كان بسبب نمط حياة البداوة الذي يعيشونه، ما جعلهم مرفوضين من قبل دول سعت لتصنيفهم والسيطرة على أعدادهم. 
صدر أول تشريع رئيس مناهض للغجر في أوروبا خلال القرن الخامس عشر بايطاليا، والذي أصبح بموجبه العيش بميلانو جريمة يعاقب عليها بالاعدام.
اما بريطانيا، فقد منع قانون صدر عام 1530، شعب الروما من دخول البلاد وأجبر من كان موجوداً فيها على المغادرة في غضون 16 يوما، لكن بعد مرور 15 سنة، أعلن اجتماع لامبراطورية رومانيا (المقدسة) عن أن "كل من يقتل غجريا، لن يعاقب عن جريمة قتل"، ما أدى الى حدوث موجة هائلة من عمليات القتل حتى اضطرت الامبراطورية لاصدار تحذير لا يسمح فيه بإغراق النساء والأطفال. ظل غجر الروما يعيشون كعبيد في رومانيا على مدى قرون ولم يتحرروا حتى العام 1855.
تبقى أفظع عمليات القتل في الذاكرة الحية، تلك التي حدثت عام 1935، عندما أصدر أدولف هتلر مرسوما عدّ فيه الروما "أعداء الدولة القائمة على العرق" مثل اليهود، إذ تشير التقديرات الى ان عدد الاشخاص الذين قتلوا خلال الابادة الجماعية للروما ما بين نصف مليون الى مليون ونصف مليون شخص، وهو ما يشكل نسبة 15 بالمئة من شعب الروما في عموم أوروبا. 
بالنسبة للسويد، من سنة 1530 وحتى 1976، نفذت الحكومة السويدية حملة "تعقيم قسري" وجهت نحو الروما بشكل خاص. 
بالرغم من ذلك، أسهمت مجتمعات الغجر بشكل كبير في الثقافة الأوروبية شمل هذا الملابس والموسيقى، حتى ان رقصة الفلامنكو الاسبانية التقليدية لها جذور ترتبط بثقافة شعب الروما الاسباني، الى جانب بعض الكلمات والتعابير الغجرية التي اصبحت جزءا من اللغة الانكليزية اليومية.
 
دخلاء ومرض
بعموم أنحاء أوروبا، لا تزال مجتمعات الغجر والروما والرُحّل تواجه الاضطهاد العنيف، فقد أصبحت الهجمات أمرا مألوفا لدى كل من فرنسا والمجر وايطاليا واوكرانيا، وظلت معاداة الغجر شكلا مقبولا، وبقوة، من أشكال الكراهية في بريطانيا. ارتبط وجود الغجر، في مخيلة المجتمع الانكليزي، تقليديا، بأوروبا الشرقية، اذ غالبا ما يتم المزج بين التحيز العام ضد الاوروبيين الشرقيين مع معاداة الغجر، الأمر الذي يتسبب بصدمة لدى معظم الرومانيين الذي يضمر الكثير منهم مشاعر قوية من معاداة 
الروما. بالرغم من انتشار العنصرية المعادية للرحل بعموم المجتمع البريطاني، الا انها غدت مشكلة خاصة للسياسيين بالنسبة لساسيي المحافظين، فقد وصف اعضاؤه في البرلمان، مثل النائب المحافظ السابق، غاري ستريتر، الرحل على انهم "دخلاء"، مقارنا مجموعاتهم بجنكيز خان. وكان النائب عن حزب المحافظين بول بيريسفورد قد أطلق خلال العام الماضي على مجتمعاتهم وصفا مؤلما قائلا إنهم "مرض". 
لقد شكلت مقترحات القوانين الموجهة ضد "الرُحّل" جزءا من خطاب المحافظين ولسنوات، لكن الاجراءات المقترحة عبر اعلان العام الماضي هي الأكثر تطرفا حتى الآن، والتي ستكون ذات تأثير مدمر على مجتمعات الغجر والرحل، الذين كانوا جزءا من الحياة البريطانية منذ ما قبل القرن السادس عشر.   
 
مجلة فورين بوليسي الأميركية