التجهيل الإلزامي

آراء 2020/01/27
...

د. حسين القاصد
كلنا نتذكر فترة ما قبل التظاهرات الحالية، كانت هناك تجمعات لحملة الشهادات العليا أمام بعض الوزارات، ونتذكر جيداً التصعيد الذي حدث حين توجه حملة الشهادات إلى مكتب رئيس الوزراء وهو التصعيد الأول الذي قام به المتظاهرون السلميون، ومن بينهم طالبات تعرضن للرشق بالماء، وهي المواجهة الأولى لتفريق المتظاهرين، وهي نفسها شرارة التصعيد الأولى في الحراك الشعبي؛ نتذكر ذلك الآن، والأمر الذي ذكرنا به يستحق الوقوف عنده وإعادة قراءته.لقد تلا ذلك التصعيد تظاهرات في عموم مدن الوسط والجنوب، ودخلت على خط التصعيد نقابة المعلمين لتعلن الإضراب عن الدراسة، وبين رافض مستهجن لقرار نقابة المعلمين، وداعم مؤيد لهذا القرار الذي يديم التظاهرات ويعزز قوتها، من وجهة نظره ، وصلت التظاهرات إلى ذروتها وانقطع الطلبة والكوادر التعليمية وأغلقت بعض المدارس والكليات تماما، وظهرت من بين المتظاهرين جماعة أطلقت على نفسها اسم (جماعة منع الدوام ). الآن، وبعد عودة الحياة الدراسية فوجئنا بكتاب من إحدى مديريات وزارة التربية يشدد على السماح بالكتابة القريبة من اللهجة العامية ويضحي ببعض حروف اللغة العربية، من بينها التاء المربوطة ، والهمزة التي تحول اسمها إلى (الركزة) بحسب نص كتاب المديرية العامة للتربية في محافظة بغداد الكرخ الثالثة/ الامتحانات 
المرقم  4657  في  22 / 1 /2020 
وعنوانه (تصويب أسماء) ! فأي تصويب هذا الذي يشيع الجهل اللغوي ويمنحه رتبة الرسمية المعززة بقرار؟
أعود إلى رأس أمري وبداية مقالي هذا لأقول: إنّ جميع وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة تشترط على المصحح اللغوي أن يجيد العمل على الآلة الكاتبة، وإلّا فلا يمكنه الحصول على هذه الوظيفة، فلماذا لاتشترط جميع وزاراتنا شرطا معاكسا ليكون: على جميع الموظفين (الطباعيين) على الآلة الكاتبة أن يتقنوا اللغة العربية لا لغة الدردشة ( الفيسبوكية)، ولعل كتاب مديرية التربية المشار إليه يشجع على  لغة الدردشة ويرمي اللغة العربية في أقصى زوايا العتمة من الذاكرة.في كل الجامعات العراقية توجد كليات الآداب والتربية ، فإذا كان الذي يحصل على شهادة البكالوريوس في اللغة العربية وآدابها من كلية التربية له بعض الحظ في التعيينات الحكومية، فليست هناك أية فرصة لتعيين الحاصل على هذه الشهادة من كلية الآداب.ولنا أن نتساءل: أما حان الوقت للإفادة من أهل الاختصاص في اللغة العربية، وزجهم في جميع إدارات الوزارات والدوائر الحكومية بصفة مدقق لغوي، يكون مسؤولا عن الصيغة الأخيرة للكتاب الرسمي الذي يصدر عن هذه الجهة أو تلك؟ فليس من المعقول أن تصرف الدولة راتبا شهريا لموظف كل عمله هو رصف الحروف على الآلة الكاتبة دون أية معرفة باللغة وقواعدها .لو استثمرت الدولة هذه الطاقات ووزعتها على جميع المفاصل الإدارية لما احتجنا إلى توجيه رسمي يجعل لغة (الفيسبوك) بديلة عن اللغة العربية السليمة، فلقد بلغت الأغلاط مبلغا خطيرا، طال حتى الأسئلة الوزارية في مادة اللغة العربية، وهو ما حدث في الامتحانات الوزارية للسادس الاعدادي في العام الماضي، فماذا يكون جواب الطالب اذا كان السؤال غير صحيح؟! على الجهات المعنية الاهتمام باللغة والتراجع عن كتاب مديرية التربية الذي انتشر وصار محط انتقاد الجميع.