دلالات مؤشر التضخم

اقتصادية 2020/01/27
...

محمد شريف أبو ميسم
 
عادة ما يكون هدف استقرار الأسعار على المدى البعيد هو المحور الرئيس للسياسة النقديَّة، بغية تكريس الثقة بالسلطة النقديَّة وضمان تحقيق التنمية الاقتصاديَّة، إلا أنَّ تحقيق الاستقرار النقدي لا يخضع لعوامل ثابتة في إطار البيئة الاقتصاديَّة المستقرة، إذ يؤكد أغلب المتخصصين بالسياسة النقديَّة، أنَّ معدلات التضخم تبقى متغيرة نسبياً تبعاً لحركة النقد في ساحة التداول، فتتأثر معدلات الأسعار مع تغير عناصر الدخل النقدي مثل الأجور والأرباح وسعر الفائدة، أو مع ارتفاع كلف الإنتاج، أو زيادة معدلات الإئتمان المصرفي، فضلاً عن الإفراط في خلق النقود، وتدفق الاستثمارات الأجنبيَّة، ما يعني حصول ارتفاعات في أسعار المستهلك، لا يعدها البعض في إطار التضخم، إذ ينطوي هذا المفهوم على ارتفاعات مستمرة ومؤثرة في المستوى العام للأسعار، تفضي الى تقليل القدرة الشرائيَّة للأفراد وعدم الاستقرار النقدي وارتباكٍ في صنع واتخاذ القرار الاقتصادي، ما ينعكس سلباً على النمو الاقتصادي، لذلك تستهدف الاقتصادات العالميَّة معدلات نسبيَّة من التضخم في إطار ما يسمى باستهداف 
التضخم.
إلا أنَّ البيئات الاقتصاديَّة المرتبكة أو التي تعاني من اختلالات هيكليَّة، عادة ما تسجل معدلات عالية من نسب التضخم السنوي، جراء عدم قدرة السلطات النقديَّة على اتباع سياسة متسقة وثابتة إزاء معطيات الإرباك أو الاختلالات، بينما تزداد صعوبة الإدارة كلما تعرضت البيئة النقديَّة للصدمات الاقتصاديَّة.
من هذا المنطلق فإنَّ ارتفاع معدل التضخم السنوي بنسبة 0.1 بالمئة الذي أعلنت عنه وزارة التخطيط، الخميس الماضي، يعدُّ طبيعياً وفق ما أشرنا إليه، بينما يؤشر انخفاض معدل التضخم الشهري بنسبة 2 بالمئة لشهر كانون الأول 2019 الى إمكانيَّة سيطرة السلطة النقديَّة على مجريات حركة السوق.
بيد أنَّ الأهم في هذا الأمر هو الإفصاح عن أسباب هذا الارتفاع في إطارٍ اقتصاديٍّ لا يقف عند الإشارة لارتفاع أسعار بيع سلع أو خدمات بعينها، فيبدو دوماً وكأنه تضخم أسعار فقط، بينما يمكن أنْ يكون "تضخم دخل" ناجماً عن ارتفاع الأجور النقديَّة أو تضخم الأرباح، أو يمكن أنْ يكون "تضخم تكاليف" ناجماً عن ارتفاع تكاليف العمل جراء زيادة أجور الطاقة أو الأيدي العاملة أو التعريفة الكمركيَّة أو ما شابه، أو ربما يكون "تضخماً ائتمانياً" ناجماً عن ارتفاع معدلات الإئتمان المصرفي، وهذا النوع من التضخم يعدُّ إيجابياً، إذا ما كان هذا الائتمان موجهاً نحو إقامة المشاريع الصغيرة والمتوسطة وبالتالي تدوير رأس المال في عجلة التنمية. 
وبناءً عليه لا تعدُّ بيانات ارتفاع معدلات التضخم النسبيَّة، علامات سلبيَّة في مشهد الاقتصاد الكلي، إذ يمكن أنْ تكون مؤشرات التضخم دليلَ عافية تؤشر لدوران عجلة 
الاقتصاد.