زهير كاظم عبود
الفترة التي تلي تقديم رئيس الوزراء المستقيل طلبه بالاستقالة رسميا توجب على رئيس الجمهورية وفقا للمادة
( 76 ) من الدستور العراقي أن يكلف مرشحا جديدا من الكتلة النيابية الأكثر عددا، إلّا أن الخلاف في فهم الكتلة النيابية الأكثر عددا بين السياسيين، وتردد رئيس الجمهورية في اختيار رئيس جديد للوزراء، من خلال توافق الكتل السياسية ومجلس النواب،
وترضية مطالب الشارع العراقي المنتفض الذي لخّصها في أن يكون المرشح مستقلا عن الأحزاب والتيارات السياسية التي تقود المرحلة منذ أكثر من خمسة عشر عاما. وطيلة الفترة التي خرجت بها التظاهرات السلمية تبين الإصرار والتمسك بالمطالب التي كانت تشكل القاسم المشترك لكل المحافظات التي تتشارك بهذه الفعالية الدستورية والقانونية، التي تطالب برئيس وزراء مستقل، وأن تكون فترة تكليفه محددة لفترة لا تتجاوز السنة أو أكثر، وأن يتم الاستعداد لإجراء انتخابات مبكرة، وأن يتم إقرار قانون انتخابات منصف وعادل ، وأن تكون هناك هيأة (مستقلة فعلا) تشرف على هذه الانتخابات، وأن تتم محاسبة كلّ من ارتكب جريمة جنائية بحق أبناء الشعب العراقي أمام القضاء العراقي، وكل فعل يخرج الرفض السلمي عن مساره لا يمثل الصوت العراقي الواعي المنتفض على مسار العملية السياسية وتفشي ظاهرة الفساد وتراجع أسس الحياة العراقية سياسيا واجتماعيا
واقتصاديا.
كشفت الاحتجاجات والتظاهرات بشكل واضح اتفاق الجميع، من دون استثناء، على تفشي ظاهرة الفساد التي تنخر جسم الدولة العراقية، وحول هذا الفساد اقتصاد العراق الى مزاد وأسواق للنهب والاحتيال وضياع ثروة الشعب وتعطل بناء المستقبل والتجاوز على الدستور.
ولأسباب أخرى يكون من الضروري انتخاب رئيس وزراء مستقل وجديد، يلبي طموح الناس المتظاهرين وينسجم مع الدستور وينهي حالة تعطيل الحياة وحركة السلطة، كما أنه يوقف نزيف الدم وجهد القوات الأمنية، حتى تعود الحياة إلى مجاريها. غير أن هناك عوائق مفصلية خطيرة وكبيرة يواجهها من يتم تكليفه بقيادة السلطة التنفيذية في هذه المرحلة، أوّلها أنه لن يستطيع فتح ملفات الفساد التي يتهم فيها حيتان ورؤوس سياسية كبيرة وتختفي معها مئات الملايين من الدولارات وتضيع خلالها ملفات تشكل قرائن ودلائل لإدانة أسماء مشاركة بالفساد عن تصميم وسبق إصرار، ومحمية بكتل وأحزاب سياسية نافذة وفاعلة ومشاركة في السلطة. العائق الثاني الذي سيواجه رئيس الوزراء القادم تطبيق نص الفقرة (ب) من المادة (9) من الدستور التي تنص على حظر تكوين ميليشيات عسكرية خارج إطار القوات المسلحة، ومعها أيضا وجود السلاح بشكل منفلت وكبير ومتنوع في الشارع العراقي، وسهولة توفر قطع السلاح بشكل شبه علني بين الناس، وغياب صوت الحكومة التنفيذية في حماية حياة الناس و ممتلكاتهم، ممّا يجعل الأمن هشا وضعيفا أمام مجموعات تمارس الخطف والاغتيال وسط الشوارع العامة وبسيارات معروفة لا تجد لها رادعا أو متصديا ليعيد قدرة الحكومة على استعادة مكانها في حماية وحرمة الحياة
والمال.
والعائق الثالث الذي لن يتمكن رئيس الوزراء القادم من الالتزام به وتحقيقه هو تقديم من ارتكب الجرائم بحق العراقيين المحتجين السلميين الى العدالة بشكل شفاف وعادل وأمام القضاء
العراقي.
وأخيرا، فإن توافق أعضاء مجلس النواب منح رئيس الوزراء القادم وأسماء الطاقم الوزاري والمنهاج الذي يقدمه الثقة المطلوبة بعد التكليف وفقا لنص الفقرة رابعا من المادة (76) يجعل الصعوبة في تابعية عدد من الأعضاء إلى كتلهم السياسية وأحزابهم وموقفها من ذلك مما يجعل رعاية مصلحة الشعب في جانب غير الجانب الذي يغلب المصلحة الحزبية أو الشخصية في هذا المجال.
في هذا الظرف الزمني حيث تتعطل الدوائر الحكومية و الكليات والمدارس و تُقطع فيه الطرق، ينبغي على الجميع أن يدركوا فداحة ما يتحمله البلد من خسائر وحجم الفجيعة التي نخسر بها شبابنا والتدهور الذي نركض به الى منزلق قد لا يعيدنا الى النقطة التي بدأنا منها. على الأطراف السياسية أن تتحلى بشيء من الحرص الوطني وأن تتنازل عن مصالحها الحزبية الضيقة فهذا يساهم في تهدئة الحال والاستعجال في إنقاذ العراق، وأن تضع مستقبل العراق أمام أعينها فتطفئ شرار النار واللهب الذي قد يحرق الجميع في بلد تتوفر فيه كل مستلزمات
الاشتعال.