ثمة اشتراطات ومعايير مهنيَّة وأخلاقيَّة معروفة لا بدَّ من توفرها في الرسالة الإعلاميَّة عند تناول مختلف القضايا لنقل الحقائق الى الرأي العام والجمهور بكل مصداقيَّة وموضوعيَّة ومسؤوليَّة وبتجرد من أية دوافع سخصيَّة وغايات قصديَّة تبتغي تحقيق مآرب
مخفيَّة.
ولم يصعب على العارف المختص أنْ يؤشر اتجاه خطابات تعتمدها وسائل إعلام تنتهج مساراً مكشوفاً لا يتوافق مع مهمة الصحافة والإعلام الحقيقيَّة ووقوع الصحفي والإعلامي في دائرة
الانقياد لإدارة هذه المؤسسة أو تلك بعد أنْ ارتضى لنفسه أنْ يكون موالياً لها بإرادته أو من دونها، خصوصاً إنْ كان المال هو الدافع للعمل، وهنا لا تغفر الحاجة للانخراط في هذا المسلك الذي يسيء للشخص وتاريخه قبل المؤسسة الإعلاميَّة
ذاتها.
والشواهد عديدة في هذا المجال ولكنْ هناك في الجانب الآخر من اتخذ طريقاً غير ذلك منحازاً الى تبني القضايا الوطنيَّة وهموم وتطلعات المواطن اليوميَّة
عندها.
عدم الحياد والانحياز يكون مشروعاً ومبرراً لكن
لا يمكن السكوت والتغاضي عن قول كلمة الحق مهما كان الثمن غالياً أو قد يتسبب ذلك بالتعرض الى مواجهة أخطار محتملة وغالباً ما يضع المسؤولون الفاسدون والفاشلون الصحفي والإعلامي المهني والوطني في موضع العداء لهم ويتحسبون منه ويتجنبون اللقاء به خشية إحراجهم أمام الرأي العام
والجمهور.
والأهم في ذلك هو حفاظ الإعلام على إشاعة السلم المجتمعي واستقرار البلاد ومعالجة مشكلاتها وأحداثها بروية ودراية وإمكانية مهنيَّة ولا بدَّ أنْ يكون للإعلام دورٌ إيجابيٌّ مهمٌ في التهدئة ومعالجة الخلافات بعيداً عن أية حالة تأجيج للصراعات والنزاعات السياسيَّة والاجتماعيَّة أو أنْ يكون طرفاً مع جهة ما ضد جهة أخرى أو يسخر من حيث يدري أو
لا يدري!
وفي خضم المتغيرات السياسيَّة وما يشهده العالم من أحداثٍ وتغليب المصالح فإنَّ مساحة الإعلام المحايد والذي يطلق عليه بالمستقل تبدو ضئيلة حتى في الدول الأكثر ديمقراطيَّة، خصوصاً بعد أنْ اجتاحت العولمة المجالات كافة ومنها مجال الإعلام، حيث ولد ما يسمى بـ"الإعلام العابر للقارات" الذي يتجاوز الزمان والمكان لينتج بعدها الإعلام المسيس على نحو لا يمكن تحديد
اتجاهاته.
وهنا تكمن خطورة ما تبثه وتطلقه وسائل إعلام وقنوات معروفة بخطابها الطائفي والتحريضي والعدائي وبدوافع سياسيَّة من دون أي اعتبار للمحددات الأخلاقيَّة والمهنيَّة بدوافع ما عادت خافية على أحدٍ ما يتطلب التصدي لها وكشف مسعاها لدرء مخاطرها وتفادي نشر سمومها على المجتمع.