تحولات القوة العسكرية الكبرى خلال العقد الماضي

بانوراما 2020/01/31
...

توم أوكونر  
ترجمة: مي اسماعيل
ما زالت الولايات المتحدة تتفوق عالميا بقوتها العسكرية، تتبعها كل من روسيا والصين (على مسافة أقرب مما كانت عليه في أي وقت مضى). تلك ديناميكية القوة التي تقلبت خلال السنوات العشر الماضية، وقد تستمر بالتقلب؛ وسط قيام تكنولوجيا وواقع سياسي جديدين مع مطلع العقد المقبل، كما أظهرت تقارير دراسة القوى العسكرية حول العالم التي ينشرها موقع {القوة العسكرية دوليا-Global Firepower}.
أظهر تقرير الموقع لسنة 2019 مجموعة مألوفة على رأس القائمة: الولايات المتحدة ثم روسيا تليها الصين. 
قبل عقد من الزمن كانت الولايات المتحدة أيضا تعتلي قائمة الدول الـــ42؛ لكن الصين حينها كانت تحتل الموقع الثاني (بالكاد) سنة 2009. 
وما لبثت روسيا أن استعادت الموقع الثاني بعد نحو عامين، وبقيت فيه منذ ذلك الحين. وجد التقرير الأخير المنشور أن “المنافسة الدفاعية الأساسية التي تواجهها الولايات المتحدة تأتي من روسيا والصين، مما يضعها تحت ضغط كبير للإنفاق والتحديث والتغيير”.
لا يوجد ترتيب (تصنيف) معتمد واحد للقوات المسلحة، أو كيفية لمقارنة دول العالم مع بعضها من حيث القوة العسكرية، ضمن موضوع ما زال يسبب الكثير من الجدل بين الباحثين الدوليين والشخص الاعتيادي حول العالم. أما موقع “القوة العسكرية دوليا” (الذي أنطلق سنة 2006) فيقوم بتحديث مؤشره السنوي اعتمادا على معلومات يستقيها الموقع من 55 نقطة بيانات منها الحجم والاقتصاد والتكنولوجيا، لكنها لا تشمل الأسلحة النووية. يغطي المؤشر الآن 137 دولة، وهو أحد أكثر المصادر انتشارا لهذه 
الإحصاءات.
 
التزام بتعزيز القوة
تطورت أساليب حساب وتقييم ما يسمى بـــ”مؤشر القوة-power index” عبر السنين، لكن ما بات واضحا من ذلك المؤشر هو أن القوى العسكرية الثلاث الكبرى التزمت بتعزيز قواها المسلحة، وأن موسكو وبكين بدأتا العمل باتجاه إغلاق الفجوة التي تفصلهما عن واشنطن. يعتبر الموقع أن “الصفر” معدل ممتاز، وأن الولايات المتحدة حازت تقييما قدره (.0615) خلال سنة 2019. 
أما روسيا فقد تغلبت على هامش تقييم (كان يحوي يوما مئات النقاط) ليكون اليوم (.0639)، متراجعة عن الولايات المتحدة ببضعة نقاط فقط. 
يمضي التقرير قائلا: “يتواصل تحديث تقنيات الدفاع الروسية رغم العقوبات والعملة الضعيفة، وكانت الصناعة المحلية نشيطة في إعادة التسليح”.
أمّا الصين التي حازت (.0673) فلم تكن بعيدة عن منافسيها بحسب التقرير: “طلبت الصين حاملة طائرات ثانية هي قيد التصنيع الآن، لتدعم اسطولا متناميا بحريا (وتحت البحر)؛ ليتماشى مع قوات برية وجوية قوية بالفعل”. 
بعد ذلك جاء ترتيب الهند، التي ضمنت لها قوتها العسكرية الموقع الرابع في قوائم جميع التقارير عن “موقع القوة” خلال العقد الماضي.
أمّا مواقع الدول التالية فقد تحولت باستمرار عبر السنوات، لتحتل المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا والبرازيل واليابان وتركيا المواقع من الخامس الى العاشر بالترتيب سنة 2009. وهذا العام جاء الترتيب كالتالي: فرنسا، اليابان، كوريا الجنوبية، المملكة المتحدة، تركيا، ثم المانيا. 
وهناك دول لفتت النظر وكثيرا ما احتل تقييم قوتها العسكرية عناوين الإعلام الاميركي، ومنه صعود كوريا الشمالية نقطتين الى الموقع الثامن عشر، وقفز إيران أربع نقاط الى الموقع الرابع عشر، ممّا يضعها مباشرة قبل باكستان، التي ظلت في الموقع نفسه منذ عشر سنوات. 
 
تقلبات الشرق الاوسط
أثبت الشرق الأوسط أنه منطقة متقلبة على وجه الخصوص؛ إذ أعادت عشر سنوات من الحرب الأهلية والنزاعات والاضطرابات تعريف ديناميكيات القوى في المنطقة. 
تراجعت كل من سوريا والعراق وليبيا من مواقع 34، 37، و39 بالترتيب الى مواقع: 50، 53، و77 بالترتيب. 
تراجع ترتيب إسرائيل من الحادي عشر الى السابع عشر، ووصلت لبنان الى أسفل القائمة بعدما تراجعت من 42 (وهو الموقع الأخير سنة 2009) الى موقع 118 من بين 137 دولة، في آخر تقرير منشور للتقييم 
العسكري. 
احتلت المركز الأخير الآن مملكة بوتان؛ الدولة الصغيرة في منطقة الهملايا، التي احتفلت مؤخرا بعيدها الوطني الـــ112، وعلى الرغم من أن بوتان لا تمتلك قوة عسكرية تذكر؛ فإن موقعها الاستراتيجي جعلها نقطة مهمة في النزاع الإقليمي بين جارتين من مواقع عليا بالتصنيف العسكري: الصين والهند، وهذه الأخيرة متورطة بالفعل منذ عقود بخلاف مع باكستان، وقد اشترت مؤخرا أسلحة 
متطورة من روسيا. 
جاءت تلك الصراعات المعقدة المتداخلة عبر آسيا في وقت وجدت فيه موسكو وبكين مصالحهما تتراصف بشكل متزايد لمواجهة جهود واشنطن لعزل القوتين الشرقيتين. 
وبينما تسعى روسيا والصين لمد الجسور مع القوى الإقليمية، لكن نواياهما كانت (بشكل متزايد مؤخرا) موضع تشكيك في الغرب، إذ يرسم تحالف الناتو بقيادة الولايات المتحدة ستراتيجية القرن الحادي والعشرين للتعامل مع كليهما.
يبقى من الصعب التكهن كيف ستمضي تلك التوقعات؟
لكن التطورات الأخيرة (مثل انهيار معاهدة القوات النووية المتوسطة المدى “INF”) قد تلعب دورا مهما، فمنذ سنة 1987 منعت المعاهدة التاريخية (للسيطرة على الأسلحة) واشنطن وموسكو من نشر صواريخ أرضية تتراوح مدياتها بين 310-3420 ميلا، لكن إدارة الرئيس الأميركي ترامب انسحبت منها في آب الماضي، واختبرت صاروخين من هذا النوع منذ ذلك 
الحين.
 
سباق القوة والدبلوماسية
فنّدت موسكو اتهامات بأنها خرقت الاتفاقية بانتاج نظام أسلحة جديد، وحاولت إقناع مسؤولين أميركان للبدء بمفاوضات تتعلق باتفاقية أخرى لمنع الانتشار: معاهدة الحد من الأسلحة الستراتيجية الجديدة “ستارت الجديدة”. 
وإذا تُرِكت تلك المعاهدة لتنتهي بحلول شباط 2021، فستبقى كل من روسيا وأميركا فعليا من دون أيّة تدابير متبادلة لتقييد أو فحص الترسانات النووية لبعضها البعض لأول مرة منذ عام 1972. 
وفي الوقت ذاته بدأت منصات جديدة وأكثر تطورا لتوصيل أسلحة الدمار الشامل تلك بدخول ساحات 
القتال.
قال المتحدث باسم البنتاغون المقدم طيار “روبرت كارفر” مؤخرا: إن تطوير كل من روسيا والصين صواريخ تفوق سرعة الصوت قادرة على تجاوز أنظمة الدفاع الحالية.. “سبب عدم تناسق قتالي يجب علينا معالجته”، وهي جهود تعتبر بالنسبة للعسكرية الأميركية “أعلى أولوية للبحوث التقنية والهندسة”. 
بوجود دفاعات ذات ميزانية لا تُضاهى، والعديد من الحلفاء وحاملات طائرات توازي ما يمتلكه العالم بأسره مجتمعا، من غير المحتمل أن تفقد الولايات المتحدة التقدم العسكري في أي وقت قريب، لكنها قد تتراجع ضمن فئة حيوية أخرى، فبعد شهور من نشر تقرير عن مؤشرات القوى أظهر تفوق بكين على واشنطن ضمن فئات اقتصادية وسياسية رئيسية في آسيا، وجد “معهد لاوي- the Lowy Institute” أن 
الصين تفوقت على الولايات المتحدة بكونها القوة الدبلوماسية الأعلى عالميا.