تستثمر دولة الإمارات العربية المتحدة على نطاق واسع في التكنولوجيات الجديدة والذكاء الاصطناعي، غير أنّ الجدل الذي أثاره تطبيق للمراسلة مؤخرا أبرز المراقبة المشددة للانترنت في البلاد.
وتطمح الدولة الخليجية التي استثمرت المليارات في التكنولوجيات الحديثة في إطار "رؤية 2021" إلى "تعزيز جودة توفير الكهرباء والاتصالات لتصبح الدولة في مقدمة الدول في الخدمات الذكية".
الخدمات الذكية
وتستضيف دبي التي تعد "أذكى" مدينة في الشرق الأوسط، وفقا لتصنيف مرصد المدن الذكية، المكاتب الإقليمية لعدد من مجموعات الانترنت العملاقة مثل غوغل ويوتيوب، ويمكن الوصول إلى معظم الخدمات العامة عبر الانترنت.
وتعرض اللافتات الدعائية في شوارع المدينة حول "اكسبو 2020" الذي تستضيفه الإمارة صوراً لرجال آليين ورجال فضاء.
لكن بالنسبة لملايين من المقيمن الأجانب، فإن اجراء مكالمات عبر تطبيق "واتساب" أو "سكايب" مع أسرهم خارج الإمارات ليس أمراً بسيطاً. فالمكالمات المجانية عبر الانترنت المنتشرة على نطاق واسع في جميع أنحاء العالم، ما زالت محظورة في الإمارات.
ويقول عامل باكستاني في دبي "لأتمكن من الاتصال بأسرتي أقوم كل شهر بشراء هذه البطاقة". ويعرض العامل البطاقة التي تحتوي على رمز وصول لشبكة خاصة افتراضية (في بي ان)، وهو نظام يسمح بالالتفاف على الحجب.
ومن أجل تجنب هذا "الصداع"، اختار آخرون اللجوء إلى تطبيق "توتوك" الذي صممته شركة إماراتية للتواصل مع أسرهم.
ويؤكد عامل مصري أنه يفضل استخدام هذا التطبيق للتواصل مع زوجته وبناته اللواتي بقين في بلاده، موضحاً "استخدم توتوك لأنه التطبيق الوحيد الذي تعمل فيه مكالمات الفيديو بشكل صحيح".
النموذج الصيني
شهد "توتوك" رواجاً سريعاً في الشرق الأوسط حيث تفرض عدة دول، قيوداً أو حتى تمنع، غالبية خدمات الاتصال عبر تطبيقات مثل واتساب.
لكنَّ منصّتي "آبل" و"غوغل" أزالتا التطبيق بعد نشر صحيفة نيويورك تايمز الأميركية تقريراً يتهم أجهزة الاستخبارات الإماراتية بإمكان الوصول المباشر إلى الرسائل والمحادثات عبر الفيديو أو حتى إلى البيانات المتعلقة بالموقع الجغرافي لحامل الهاتف، بالإضافة إلى النفاذ لكاميرات الهواتف والميكروفونات.
وفي كانون الثاني، أعلن القيّمون على التطبيق إدراجه مجدداً على "غوغل بلاي ستور" بعد سلسلة من "التحديثات" الخاصة بالتطبيق، بالأخص آلية أكثر وضوحاً تتيح للمستخدمين السماح بنفاذ التطبيق إلى بياناتهم ولوائح الأرقام الهاتفية.
ولا يزال "توتوك" غير متوافر على "آبل ستور".
ويرى الباحث في مختبر سيتزن لاب المتخصص في الأمن السيبراني بيل مارزاك أن شركة "آبل" تعد "أكثر "احتراما لخصوصية العملاء".
ويشير مارزاك الى أنَّ قضية توتوك "فريدة" من نوعها "لأنهم يحاولون تطوير هذا التطبيق الذي تم تصميمه ليستخدمه ملايين الأشخاص في العالم".
ويوضح "على حد علمي، هذه الحالة الوحيدة التي يوجد فيها تطبيق للمراسلة تم تطويره من قبل جهة استخباراتيَّة".
ويرى مارزاك أنَّ الإمارات قد تتجه نحو ما وصفه بـ "النموذج الصيني" من التسلط الرقمي المتمثل في الرغبة لأن تصبح قوة في مجال التكنولوجيا ولكن تستخدمها أيضا كأداة للمراقبة والسيطرة.
وردا على سؤال وكالة فرانس برس، أكدت الهيئة العامة لتنظيم قطاع الاتصالات في الإمارات أنها "علمت مؤخرا بالمخاوف" المتعلقة بخدمات الاتصال عبر الانترنت، لكن نفت الاتهامات.
وأضافت الهيئة في رسالة الكترونية أن لوائح الاتصالات في الإمارات "تحظر الاختراق غير القانوني والمراقبة الجماعية بأي شكل من الاشكال".
قيود على المحتوى
تصنف منظمة "فريدوم هاوس" غير الحكومية الأميركية الانترنت في الإمارات بـ "غير الحر"، مشيرة إلى وجود "قيود ورقابة ومراقبة" على الانترنت بسبب "روابط وثيقة بين الحكومة وشركات الاتصالات".
ورأت منسقة الأبحاث في فريدوم هاوس آيمي سليبويتز لفرانس برس أن "الإمارات تمارس درجة عالية من القيود والمراقبة عبر الانترنت". واضافت "يجب أن يتمتعوا بشفافية أكبر بشأن فرض قيود على المحتوى والكف عن استهداف منتقدي الحكومة".
ويحظر القانون الإماراتي استخدام الانترنت بهدف" التخطيط أو التنظيم أو الترويج أو الدعوة لمظاهرات أو مسيرات" أو "التحريض على الدخول إلى غير دين الإسلام" أو "الدعوة إلى اعتناق أو ترويج المبادئ الهدامة مثل المثلية الجنسية أو الشذوذ الجنسي".
وفي منطقة تعصف فيها الاضطرابات السياسية، خاصة منذ احتجاجات 2011 التي تعرف باسم "الربيع العربي"، تتبنى أبوظبي وحليفتها السعودية خطابا يدعو إلى "الاستقرار".
وفي كانون الأول 2018، أيّدت محكمة اماراتية حبس الناشط الحقوقي الاماراتي أحمد منصور لمدة عشر سنوات على خلفية انتقاده السلطات عبر وسائل التواصل الاجتماعي.