هجرة العراقيين بين الحنين للوطن والتكيف في بلاد الشتات

آراء 2020/02/01
...

د.عبد الواحد مشعل
 
 الحديث عن مستقبل وضع المهاجرين العراقيين في ظل ظروف صعبة يعيشونها في بلاد الشتات، إذ يعيش بعضهم معاناة شديدة تستوجب الوقوف عليها وكشف أسبابها ومعرفة آثارها الاجتماعية والنفسية على المهاجرين كباراً وصغاراً، رجالاً ونساءً. إن مشكلة المهاجرين العراقيين في مختلف الدول تزداد سوءاً وتعقيداً كلما طال الزمن، وتعرض هؤلاء إلى مشكلات أخرى، ومدى قدرتهم على التكيف الاجتماعي، ومواجهة تلك المشكلات ولا سيّما المشكلة الاقتصادية وعدم توفر عمل ملائم أو انعدامه لكثير من المهاجرين 
ولا سيّما الذين يعيشون في البلاد العربية وبعض دول الجوار العراقي مثل تركيا، حيث بدأت مدخراتهم تضعف وتميل إلى النفاذ ، لا سيّما بعد أن باعوا ممتلكاتهم في العراق، ولا تقل المشكلات الاجتماعية والنفسية عن ذلك، فكثير منهم يعيش حالة اغتراب وحالة من اليأس والحرمان، إن دراسة أوضاع المهاجرين مسألة في غاية الأهمية لفهم الظاهرة في أبعادها وآثارها الآنية والمستقبلية على المهاجرين، وكذلك على بنية المجتمع العراقي، وما يمكن أن تتركه قضية التوطين في المجتمعات الأوروبية والولايات المتحدة الأميركية من آثار ثقافية على المهاجرين مستقبلاً.
 
الأمم المتحدة
 ومعاناة المهاجرين
وعلى الرغم من الجهود التي تبذلها الأمم المتحدة من إجراءات للتخفيف عن المهاجرين، إلّا أن جهودها لا ترتقي إلى مستوى هذه المشكلة المتفاقمة، كما أن نطاقها العام يتجاوز حدود الإمكانية المتاحة للحكومة العراقية ممّا يتطلب تدخلاً دولياً لمساعدة المهاجرين والوقوف على مشكلاتهم المتزايدة، ونظراً لأهمية هذا الموضوع فإن الإدارة الأميركية قد خصصت دائرة متخصصة بشؤون اللاجئين في البيت الأبيض، كذلك فإن المشكلة تدور حول مدى قدرة المهاجرين العراقيين على التكيف الاجتماعي في مجتمع المهجر، فعلى الرغم من التقارب الثقافي والاجتماعي بين العراق والدول العربية والإسلامية إلا أن كثيرا منهم يعاني من حالة الاغتراب والعزلة نظراً لفقدان هؤلاء الآليات المناسبة للعمل وكسب رزقهم. 
 
الضغوطات الاقتصادية
إن هذه الظاهرة في المرحلة الحالية أخذت أبعاداً خطيرة حينما يكون العامل الاقتصادي أحد أهم العوامل الضاغطة في حياتهم، فمعظم المهاجرين يعيشون ظروفا سيئة للغاية، وتبقى حالة قلق وحيرة هؤلاء قائمة طالما الأوضاع الأمنية والسياسية في البلد الأصلي غير مستقرة كليا، وأن بقاءهم في بلاد الغربة، على الرغم من كونه مؤلما و أنه أمرٌ مفروض عليهم، مع هذا فإن أعدادا كثيرة منهم رجعت إلى البلاد مع تحسن الوضع الأمني النسبي، كما أن بعضهم قد شد الرحال إلى دول أوروبا والولايات المتحدة الأميركية بهدف التوطين، ولاتقف الحالة عند وصف حال المهاجرين العراقيين، فان مهمة المتابع أو الباحث العلمي لا تقتصر على ذلك، بل ينبغي البحث عن معالجة مشكلاتهم الاجتماعية.
 
آثار الهجرة على النسيج الاجتماعي العراقي
لا شك في أن هجرة الشباب الى خارج البلاد تترك آثارا اجتماعية ونفسية في بنية الأسرة والمجتمع العراقي، ولا بد من إثارة بعض التساؤلات حول ذلك: ما هو أثر غياب بعض أفراد الأسرة العراقية في تماسكها الاجتماعي؟ وما هي المخاطر التي ستتركها هذه الهجرة على مستقبل التنمية البشرية في العراق؟ وكيف يمكن لصاحب القرار أن يقيم المخاطر المترتبة على هذه الهجرة على الأسرة والمجتمع عندما ينتج عن ذلك خلل في الهرم السكاني لا سيّما أن العراق يمر بمرحلة خطيرة من تاريخه المعاصر؟
 وهل بإمكان وزارة التخطيط والتعاون الإنمائي ووزارة الهجرة والمعنيين بالأمر، وضع ستراتيجية فاعلة للحد من الهجرة ووضع الحلول المناسبة لها؟ إن ذلك يحتاج الى إجابات واضحة لفهم حجم الظاهرة ومن ثم التفكير في الآلية المناسبة للحد منها لا سيما أن عنصر الشباب يمثل العمود الفقري لهذه الهجرة، ولا سيّما من أصحاب الكفاءات سواء الفنية أو أصحاب الشهادات العليا ما يفقد البلاد قوى بشرية يحتاجها البلد أكثر من أي وقت مضى. إن الآثار التي يمكن أن تتركها الهجرة على المجتمع يمكن أن تصنف إلى ثلاثة أصناف رئيسة:
 أولها الآثار النفسية سواء على المهاجرين أنفسهم أو على أسرهم، وثانيها الآثار الاجتماعية وما يمكن أن تشكله من عوامل التفكك الاجتماعي لا سيّما أن ثقافة الأسرة العراقية ثقافة جمعية في أغلبها ما يترك فراغا كبيرا فيها، وثالثها آثار اقتصادية إذ إن هجرة بعض الشباب يكلف الأسرة أعباءً اقتصادية في فقدانها أفرادا كانوا يشكلون أحد مصادر دخلها، بل أن بعض الأسر أخذت تتحمل جزءا من دخلها في دعم أفرادها في المهجر وبخاصة أولئك الذي ينتظرون الحصول على فرصة للهجرة عن طريق الأمم المتحدة، التي تستغرق إجراءات سنوات طوال، كما يمكن أن يكون لهجرة الشباب وبخاصة أصحاب الكفاءة العلمية والفنية  آثار على التنمية البشرية في العراق وعلى مستوى أدائها، فضلا عن آثار أخرى عديدة على المجتمع
 ومستقبله.
 
لا بد من وقفة
إن خطورة آثار الهجرة على الأسرة والمجتمع والمهاجرين أنفسهم تتطلب وقفة شجاعة للحد منها، وهذا يتطلب إجراء دراسات علمية مسحية بهدف معالجة الظاهرة،
 ولا سيما الحد من هجرة الكفاءات العلمية والفنية، كما ينبغي تفعيل قانون عدة الكفاءات المهاجرة ووضع التسهيلات اللازمة لهم، وتبرز أهمية التوكيد على ذلك من خلال ما بينه الواقع حين عادت بعض الكفاءات ولم تجد العناية الكافية وما لاقوه من بطء الإجراءات اللازمة لوضعهم في مكانهم المناسب ما جعل أغلبهم يعودون من حيث أتوا، كما ينبغي النظر الى الظاهرة بأبعادها المختلفة وتحقيق وقفة حكومية حازمة في وضع العلاج اللازم للأزمات المجتمع وتحقيق مستويات مقبولة من التنمية في البلاد. ولعل أبرز إجراءات ذلك هي تفعيل القطاع الخاص وفتح باب الاستثمار وتسهيلات إدارية واسعة من أجل نهضة البلاد، ثم الحد من هذا الاستنزاف البشري  الذي يكلف البلاد تكلفة كثيرا، وعلى الأصعدة
كافة.