العنف والدولة القوية

آراء 2020/02/02
...

حسب الله يحيى 
يجري الحديث يومياً بشأن الحكومة القوية خصوصاً والدولة القوية عموماً.
واختلفت مفاهيم القوة بين استخدام العنف، أو الاستسلام للهدوء والتعامل بشكل سلمي مع الناس. 
والواقع أن هناك اختلافا بين العنف الذي يتحول في أحيان كثيرة إلى مفهوم إرهاب الدولة لشعبها سواء جاء هذا الاستخدام عن طريق الأجهزة الأمنية - الحكومية، أو البرلمان على وفق القوانين الموضوعة على النفعية لمجموعة اجتماعية من دون أخرى، أو عن طريق تسييس القضاء. 
هذا النوع من العنف، من شأنه أن يجرد الدولة برمتها من هيبتها ووقارها وحضورها الذي يفترض أن يستجيب له الجميع عن وعي وقناعة وأداء حازم ومخلص وبناء. العنف هنا قرار نخبة، وارادة جماعة، وحقيقة حاضر ساخن، لا يتمتع بالموضوعية والمصداقية، وإنما يرهن قراراته على ما تمليه إرادة هذه النخبة أو هذه الجماعة. 
في حين تكمن قوة الدولة برمتها في تقاليد العمل الراسخة والبناءة في جميع مؤسساتها، والحضور الأمثل لعدالة قضائها، وموضوعية ودقة وأهمية القوانين التي يشرعها برلمانها، فلا يكفي أن يعيش المرء على راتب وظيفي مضمون، أو البقاء نهباً للبطالة والجهل والأمية. 
إن وجود حال حسنة وظيفياً لا يعني أن الحياة رغيدة حتى بالنسبة للموظف نفسه، لأن قسماً كبيراً من هذه الوظائف غير منتج وإنما يتزيّا بالوظيفة وصولاً الى ما تقدمه من رواتب تخلو من العدالة أصلا، لأنها لا تقترن بالكفاءة والشهادة والخبرة، وإنما تحدد الرواتب على وفق المكانة التي يشغلها سياسياً أو عشائرياً لا غير. 
إلى جانب ذلك، نتبين ضعف الدولة في هيمنتها على الحفاظ على استقلالها ومنتوجها الوطني وتطور الخدمات التي تقدمها للشعب. 
نعم، الدولة تكون ضعيفة، وضعفها مرهون بغياب القوانين العادلة التي تبسط نفوذها على الجميع وليس على امتياز نخبة وتردي نخب شعبية أخرى.  الى جانب مؤسسات يرتهن عملها بكل من يشغل موقعها القيادي، ممّا يجعلها عرضة للأهواء والمتغيرات والخسارة والربح والنجاح والإخفاق. 
قوة الدولة لا تقترن أبداً بالعنف الذي تمارسه ضد مناوئيها ومعارضيها والمختلفين معها في هذه المسألة أو تلك، فمثل هذا العنف من شأنه أن يحول الدولة، أيّة دولة، من دولة عادلة محكومة بالقوانين، إلى دولة بوليسية لا شاغل لها إلّا الوقوف ضد إرادة من يوجهون النقد الى سلبيات عملها. 
قوة الدولة يمكن أن نتبينها بمدى القيم التي ترسخها والتقاليد والأعمال التي تحقق الأمن والرفاهية لقطاعات مختلفة من الناس، وليس لفئة بعينها، فإذا أردنا العيش في ظل دولة نعزّها ونحترمها ونستجيب لها، فإننا لا بدّ بالمقابل أن نجد الثقة قائمة على التبادل المخلص الذي يؤكد رعاية الدولة لشعبها واحترام تفاعل الشعب معها، دولة تحترم شعبها وتذود عن حياة كل إنسان يعيش في وطن ترعاه حكومة شاغلها الأساسي بناء وطن يتمتع بالحرية والرفاهية والأمان.