الظاهر والمستتر

آراء 2020/02/02
...

حسين الذكر
يعتقد بعضهم أن قرار تسمية الحكام الفعلين ممن يمتلكون صلاحيات إصدار القرارات الاستراتيجية وتنفيذها في العراق هو مجرد قرار محلي، هنا يكمن خطأٌ استراتيجي ينبغي على المعنيين فيه إعادة قراءة المشهد بصورة أكثر واقعية وتقليب صفحاته وفقا لمعطيات القوة والمصالح الدولية وأن لا يحصر ضمن إرادات ورغبات محلية.بمعنى أن تكون المشاهدة للعرض ليس كما تطرح في وسائل الإعلام أو يتمخض عنه حراك الميدان الظاهر
ففي المستتر قوة وإمكانية أكثر ممّا يتداول ويطرح بالفضاء الرحب تحت أشعة الشمس فالسياسة لا تحصر ولا تفهم من خلال عد السياسة فن الممكن أو ساسة الخيل، فهي تعني للآخر فن الحفاظ على مصالح القوى العظمى المتنفذة بعمق آلاف السنين ولا تحصر بزماننا 
الحاضر.
على سبيل التذكير، توفى سلطان قابوس في عمان وانتقلت السلطة بشكل انسيابي سلمي إلى خليفته من أبناء عمومته السلطان الجديد هيثم بن طارق عبر ما يعرف بنظام الوراثة. المتعمق بالأحداث لا يمكن أن يستسيغ انتقال السلطة لدولة مهمة تطل على رأس خليج تعبر من خلاله ملايين براميل النفط يوميا من دون أن تكون لتلك الدول والقوى رأي في ذلك. 
هنا قضية أخرى غير ما يظهر عليه نظام الوراثة، صحيح أن العنوان الوراثي ظاهر لكنه لا يجري بمعزل عن التأثيرات المستترة التي تسمي وتقيم البديل منذ وقت مبكر لا تتركه للمصادفات والمفاجآت أو لخيار عشائري بحت، ذلك لا يجري فقط على عمان بل أغلب الدول التي للغرب مصالح حيوية فيها، في ما كان الملك الحسين بن طلال يعيش لحظاته الأخيرة في الولايات المتحدة الأميركية نقل على وجه السرعة إلى العاصمة عمان ليجري تغيير ولي العهد من أخيه المنحى الأمير الحسن بن طلال الى الأمير المتوج باللقب الملك عبد الله بن الحسين، في مسألة طبيعية جدا بعالم السياسية ولمن يعي تشابك المصالح والرؤى الدولية التي لا تجري بانفصال عن الجسد الإقليمي وتوازناته، والمسألة برمتها لا تعد ولا تدل على  خلل في المنحى او المنصب، بقدر ما هي عملية سياسية بحتة تخص سلطة المملكة وكذا الدول المعنية، هنا يكمن لب العمل السياسي
الناجح.
يذكر مؤرخو العراق أن قرار تعيين الولاة في العهد العثماني لم يكن قرارا عراقيا شعبيا بحتا، على الرغم من كل التقلبات والثورات والحروب والمطالب الشعبية، بل كانت تصاغ وتصدر المراسيم والفرمانات فيه بعيدا عن أرض الوطن وهمّ المواطن الذي يستخدم فقط لأغراض التسويغ والشرعنة للولاة الجدد عبر وسائل 
عدّة. 
كذلك بعد الحرب العالمية الأولى 1918، وتقسيم ممتلكات الدول العثمانية بين المنتصرين الجدد، وفي الوقت الذي كانت فيه القوى المحلية تتداول بعض الأسماء برغبات وميول وتطلعات لتولي عرش العراق كطالب النقيب والشيخ خزعل وغيرهما، وصل الزعيم البريطاني تشرشل إلى القاهرة لعقد مؤتمر تم خلاله تسمية القادة الجدد في البلاد العربية المنزوعة من الدولة العثمانية لحصة الدول المنتصرة بما يتناسب مع النظام الدولي المنبثق بعد الحرب، ليتوج فيصل بن الحسين ملكا على
العراق. 
في العراق الجديد، وبعد 2003، جرت الانتخابات الأولى في العراقي وفاز بها الائتلاف العراقي الموحد الذي رشح الجعفري لتولي منصب رئيس الوزراء، لكن "فيتو" خارجي عطل الترشيح ليظهر المالكي كمرشح تسوية وهكذا، فالأثر الإقليمي والدولي واضح المعالم وفقا لنظرية السياسة ومن يعملون ويعون مقتضياتها.