بغض النظر عمَّا إذا كنَّا متفقين على اختيار السيد محمد علاوي أم لا، وبغض النظر، كذلك، عمَّا إذا كان يمثل إرادة المتظاهرين أمِ التوافق السياسي، فإنَّه سيكون أمام أكثر المراحل تعقيداً في مسار العملية السياسية منذ سقوط النظام الدكتاتوري حتى الآن؛ فهو في النهاية مرشح أزمة وتوافق سياسي، وسيعاني، شئنا أم أبينا، من ضغوطات الكتل السياسية، ولن تتاح له الفرصة الكاملة في أن يكون مستقلاً وحيادياً في قراراته واختيارته، وستكون أمامه مهام عسيرة يتطلب تنفيذها مسك العصا من الوسط، فما بين مطالب الشارع العراقي ومصالح الكتل السياسية شروخ تتسع، فليس من السهل على الكتل السياسية أن تتخلى بين ليلة وضحاها عن مكاسبها وامتيازاتها، وما تعتقده حقوقاً شرعية وانتخابية.
سيصطدم السيد علاوي بتواصل الرفض من ساحات التظاهر، ونخشى أن تشهد الساحات تصعيداً، نتمنى أن يتم استيعابه والتعامل معه بحكمة، وعلى المعنيين ألّا يستهينوا بردّة فعل الشارع العراقي، فمنذ اللحظات الأولى امتلأت مواقع التواصل الاجتماعي بالرفض لكون السيد علاوي يمثل كتلة سائرون بالتوافق مع الكتل الأخرى، وهذا يعني فقدان التظاهرات أهدافَها وضياع فرص التغيير، كما يعني بقاء الحال السياسي كما هي عليه.
هل يستطيع رئيس الوزراء الجديد أن يعدل قانون الانتخابات بما يلبي طموحات المواطن؟ وأن يختار مفوضية جديدة؟ هل يتمكن من إقامة انتخابات مبكرة حرة ونزيهة ووفق قانون منصف بمراقبة دولية؟ هل يستطيع تقديم ما سمي بـ (الطرف الثالث) وقتلة المتظاهرين للمحاكم؟ وأن يحصر السلاح بيد الدولة؟ ويقدم الفاسدين للقضاء؟ ويخفض من امتيازات السياسيين؟ ويلغي مجالس المحافظات؟ ويوقف تقاعد غير المستحقين من مجلس الحكم حتى الآن؟ هل يستطيع الحد من التدخلات الخارجية؟ وأن يحل أزمات المركز مع إقليم كوردستان؟ لا سيما قضايا تصدير النفط والمنافذ الحدودية وكركوك وما يسمى بالمناطق المتنازع عليها؟ ويوحِّد موقفي الكرد والسنة مع موقف الشيعة بشأن التواجد الأجنبي عموماً والقوات الأميركية على وجه الخصوص؟ ويوقف تهريب النفط العراقي من قبل قوى متنفذة؟ ويضبط إيقاع العلاقات الخارجية؟ والسيطرة على حركة رؤوس الأموال وتبييضها وسوق العملة؟ ويسترد ما نهب من أموال العراق؟ ويفتح ملفات المشاريع المتعثرة والوهمية؟ وملفات تصفير الأراضي؟ توزيع أراضي الدولة بقوة السلاح؟ وإحياء قانون (من أين لك هذا)؟ هل سيُسمح له بمراجعة بعض الاتفاقيات التي حامت حولها شبهات؟ كاتفاقية ميناء مبارك مع الكويت، والاتفاقية النفطية مع الأردن، وتصدير النفط الإيراني؟ واتفاقية الصين وغيرها الكثير؟ وقد تطول قائمة الأسئلة إلى أبعد من ذلك.
مهمة صعبة، في ظرف حرج، ولا نتوقع أن تحدث معجزات على يد أيٍّ كان، وستبقى الحال كما هي عليه ولن يتاح للسيد علاوي أن يُحدث تغييرات جذرية على المنظومة التوافقية، بافتراض أنه نجح في تشكيل حكومة، وأنه سيرضي أو يتوافق مع المتظاهرين والسياسيين، وهي معادلة صعبة.