جمعة الحلفي شاعر مسكون بالمغايرة

ثقافة شعبية 2020/02/04
...

سعد صاحب
 
 
لا يتلاشى عطر الغائب ابدا بعد الرحيل الابدي ، ونشمه في الكثير من الروائح الصديقة للنفوس ، فهو يتجلى في كل رائحة تعيدنا للماضي البعيد، سواء كانت في زمن الطفولة او المراهقة او الشباب ، وهكذا يبقى حيا من يموت بشرط ان يترك لنا عطره الخاص ، في البيت والشارع والمنفى والقصيدة والجدار .
(عطر اسمك / من اجيسك تنفرط حبات روحي اعلى الچراچف/ شلون الم روحي والمك/ شلون بيه شلون بيك/ شلون افرفط روحي يمك/ وحبه حبه من ارد اضمك/ زيبك مرايه لهاتك/ حاضر وغايب واشمك). 
 
موسيقى
العالم بنظر الشاعر حياة جامدة ، تعود اليها الحيوية من خلال العشق والشعر والموسيقى والغناء والايجابية والقبول ، والمبدع الحقيقي من يقاوم الكآبة بالمرح والانشراح والانسجام ، ويوازن بين السعادة والضجر ، وينتصر على الأزمات بالكتابة والانجاز ، واستغلال الوقت المهدور بشكل صحيح ، و الابحار بزورق من الماس في بحار الوجود المتلاطمة الأمواج . 
 
(ليله گلت تعود الي وتانيت/ حنيت بيباني وزرعت اللوز بالعتبة/ واشعلت شموع واتوضيت/ گلت اصليلك فرض لو جيت). 
 
وعي
الشاعر لا يضيق بالجمال ذرعا ، والوعي الكبير الذي يمتلكه ليس رفضا للعالم الايجابي ، الباحث عن العمل والابداع والمعنى والحقيقة ، والمتماهي مع الضوء والبرق والاغواء والفرح  واحترام الذات ، والتركيز على فعل جبار يخلد الانسان فيه بعد ان يزول ، وراية التمرد الخفاقة عاليا ، هي ضد الوهم والكذب والضيق والفراغ والسآم والظلام .
 
(الحچي ودمع المراسيل/ البجت بين الظروف/ والغنه وحس الربابه/ وسمع المعاند يشوف/ وانت وطيوفك سنابل/ تنحصد دم ابيادرهم تطوف/ يا غلاتك راهب يرتل صلاتك/ والكنايس تشرب الحان الحروف/ والنواقيس التسجل صوتك انت وشاح راية/ كتاب شاهد ما تعرف اوراقه خوف). 
 
فكر
لا تكتمل القصيدة الناضجة بالمعرفة فقط ، الشعر الدائم التأثير يحتاج الى فكر سارح، ياخذنا الى كواكب لا نعرفها من قبل، ويطوف بنا في عوالم بعيدة وربما نزور اوطانا ليس لها مكان في الخرائط، ونحب نساء ليس لجمالهن مثيل في التاريخ. 
 
(ناطرتك مثل ما تنطر الورده نداهه/ وانت مو گطرة ندى وبس/ انت نهر الروح تسگي الروح وتخفف ظماهه/ ناطرتك مثل ما تنطر الگاع المطر/ روحي صبخه وانت غيمة شوگ/ تتباهى بنسايمهه وهواهه/ انت من يا كون اجيت/ يا مجرة مضيع سنيني بسماهه). 
 
 لمعان
الخيال جناح الصقر المتوثب للانطلاق، وروح الابداع المتجددة في كل العصور، وكل حقيقة ثبتت صدقيتها في الادب والعلم والفنون والسياسة والفلسفة، ما وصلت الى هذا اللمعان الساطع، بلا اخيلة طازجة تتجاوز المحدود. 
(يا نبي موديك كلي/ تكطع صيامي وانه الحالف قسم/ ما بدل الجنة بسواهه/ ضوگتني طعم البساتين من تفاحة ادم/ وانت تفاح البساتين وغواهه/ من طرواة طولك تطول الايام/ ومن حلاوة عشرتك يگصر مداهه/ انت من تهل طواري العيد هلت/ يا فرحهه ويا طربهه ويا غناهه/ انت شجرة ياسمين/ اشجاله شمام البراري غار من نسمة هواهه). 
 
نثر
قصيدة جمعه الحلفي تشبه الكتابة النثرية الى حد كبير، من حيث الايجاز والاسلوب والدهشة والترميز والتشظي والتداخل ، داعيا لكتابة نوع شعري جديد، يتكئ على لغة شعرية حديثة مدمرة لكل قديم ، تتيح للشاعر افتضاض بكارة المجهول، والاتيان برؤى جمالية فردية الطابع ، غريبة الايقاع والتركيب والتناغم والتداول . 
 
(من تغيب مثل متغيب شمس الله/ تاخذني نوبة برد/ ويمتلي گلبي ظلام/ احجي وي روحي بغيابك/ لا روحي تسمع ولا انه حاجي كلام). 
 
سينما
قصائد الحلفي غير متطابقة مع الواقع الى حد الاستنساخ ، وتمتاز بالاسلوب الفني المشاكس للدلالات والانساق ، وديدنها الفوضى والتهديم واشعال الحرائق ، وقربها الشديد من الرسم والسينما والتشكيل والمسرح ، ومعظم العلوم الانسانية المعاصرة . 
 
(يلگه بيهه اطيوفه لحنهن حچينه/ يلگه بيهه احروفه دوخهن بچينه/ يلگه بيهه شموعه تطفه/ وتعتلك شمعه حزينه/ ويبگى طيفك جيد مرهون بگلايد/ لچن انت تظل جرح/ ووشاح وطيور وقصايد/ حملك شاطينه غيظ/ وحتى حبات الرمل بيدك تفز فزة طيور/ وحتى جنح الصاف يلگاك بحريره).
سموق
الحلفي يمتدح الحب كثيرا باعتباره مدرجا نحو السماء، وسحرا عجيبا يبعد عنك الملل والسأم والاجترار والرتابة، ولون مشتعل برغبة الارتقاء الى الاعالي، وسموقا بعد نزول الى عالم الاخطاء والذنوب والعثرات، ونهوضا لاحتضان الحياة بكل حنان، واعلان حرب ضد الكسل والبلادة والعقم والخمول، وبهجة تطيح بالعذابات والوجوم والقيود، ورقة نقاوم بها الاحتدام والحروب والموت والشبهات والغضب، وحكمة في ازمنة المهاترات والجهالة والتسلط والانحراف. 
 
(داويني العشگ هدني/ وحلاتك ساحنه الروح/ وطراوة شفتك ما ترحم التلفان / وك داويني يدافي من الثلج ومحير النهران/ داويني اصيح من الچمر والجمر كبلي يصيح بردان). 
 
ارتفاع
جمعة الحلفي يكتب قصيدة عالية الارتفاع ، فهو لم يجبر قلمه ان يطاوعه بكتابة شعرية واطئة المستوى ، لكونه يمتلك خزينا هائلا من التجارب الانسانية الكثيرة ، وهذا الاحتياطي الكبير من الاوجاع والاحزان والمسرات النادرة ، يمده بالعوالم والقدرات والصور الجديدة والكفاءة ، وبالطاقات المتولدة من التحدي والاصرار والنظرة الايجابية للاشياء ، واستثمار كل قوة فائضة بالنافع والمفيد والاستثنائي 
والمحترم . 
 
(من زمان انطر سحابة وما اجت/ غيمة ما مرت على احد من گبل/ غيمة من اخر سمه واخر حزن/ غيمة محمله دموع وبواجي/ من زمان انطرهه لاجن ما اجت / اشگد بجت روحي عليهه/ اشگد عليهه سولف الرمان والتينه حجت/ غيمة الله عشعش الصبار بجروحي ونبت). 
 
مداخلة
العالم الروتيني الرتيب يريدنا نتبعه بلا نقاش او اعتراض او مداخلة ، وبالمقابل يبتغي طحننا في رحى الاجترار والمراوحة والتبعية والجمود ، وعلى الشاعر الماهر ان يشذ عن القاعدة في سلوكه وموقفه وافكاره ، وفي قصيدته التي تخلده اكثر من باقي 
الامور . 
 
(وين ياروحي بعد تلگين ديره/ مانه مليت المواني/ شراعي حد الماي حيره/ گلبي يا حزن الطواحين بجزيره).
 
نيران
المبدع الطامح بالمجد والخلود ، يترك السفح والهضاب ويرتقي للعوالي ، بكل حزم وايمان وعناد وبسالة ، ولا يسير خلف الماديات كالتابع الذليل ، ويوقد النيران في الجبال ايذانا بحرية الانسان والقصيدة والروح والضمير.
 
(لا بد للعراق يخضر الحلاج لابد/ لابد بالعراق النار تاكل نار لابد/ لابد بالعراق الدار تبني الدار لابد/ يا ضلعي العراق النفس والعبرة/ ياطبعي العراق الدمعة والحسرة/ يا حزني العراق الويل والويل/ يا تعبي العراق واخر الحيل/ يا اهلي العراق واخر احبابي/ يا لعبي العراق وطيني وترابي/ يا سگفي وغطاي وشارعي وبابي/ يا خوي وهلي وزغري وشبابي/ يا لوني ومحبتي وعزتي واسراري/ يا داري يا داري).