صفنة القرن

آراء 2020/02/05
...

حمزة مصطفى
 تتزاحم الأحداث والوقائع والأخبار أمام الكاتب بحيث لا يمتلك حيالها، أحيانا، سوى "الصفنة". ومع أننا في العراق قساة حتى في توصيف مفهوم الصفنة إذ غالبا ما نقول لمن يصفن: "الصفنة مو إلك" فإن حتى صاحبنا "الحمار"، أحد كبار الصامتين، لا يمتلك سوى الحيرة حيال ما يجري. في الأسبوع الماضي أطلق دونالد ترمب، الرئيس الأميركي،  ما سمي بـ "صفقة القرن". وبين الأسبوع الماضي والحالي انتشر فايروس "كورونا" من الصين إلى مختلف بلدان العالم وسط تحذيرات جدية من الصينيين ومن منظمة الصحة العالمية بشأن كيفية التعامل مع هذا التحدي الجديد غير المسبوق.
وبين صفقة القرن التي ولدت ميتة بكل المعايير، وبين كورونا الزاحف بقوة حتى خارج حدود أسوار الصين كلها وليس سورها العتيد، أحد عجائب الدنيا السبع أيام كانت سبعا فقط، خرجت بريطانيا من الاتحاد الأوروبي عبر ما عرف رسميا "بريكست".  وعلى "طاري" العجائب فإنها لم تقف في عالمنا اليوم عند الرقم 7 ذي الدلالات الرمزية والسحرية عالميا، فلقد تعدت هذا الرقم بكثير حتى داخل الصين نفسها  قبل أن "تضرب عين" ويهزمها فايروس من جيل جديد بينما هزمت هي عبر شركة واحدة "هواوي" عمالقة العالم لتحتل مرتبة الاقتصاد الثاني في العالم. عراقيا تتزاحم الأحداث والوقائع لكنها لاتترك مجالا لـ "الصفنة" ليس لكاتب السطور فقط، بل حتى للصافن السعيد الذي لا يعرف، يا لسعادته، شرقت الدنيا أم غربت، تشكلت الحكومة أم لم تتشكل، ولدت الكتلة الأكبر أم لم تولد احتراما للتوافق الفذ الذي ذبح ديمقراطيتنا الوليدة رغم إتمامها عامها السادس عشر ودخولها في العام السابع عشر من الوريد الى الوريد. بالعودة الى الأحداث والوقائع بدءاً من صفقة القرن مرورا  بكورونا وبريكست وبدء خطوات تشكيل الحكومة وموقف الحراك منها وموقفها هي من الحراك، فإن الأمر يحتاج صفنات لا صفنة واحدة. فخطة ترمب لا تستحق تسمية أكبر من كونها خطة بائسة لتصفية القضية الفلسطنينة جاءت بنتائج عكسية تماما على مصممي هذه الخطة غير القابلة للتطبيق. صحيح أن إعلان الرئيس محمود عباس قطع العلاقات مع الولايات المتحدة الأميركية يحتاج صفنة بحد ذاته، لكنه يؤشر، على الأقل، أن أصحاب القضية لا يمكنهم  التفريط بثوابتهم الوطنية برشوة مالية مقدارها 50 مليار دولار.
الإعلام هو الذي سوقها كذلك حتى  قبل أن ترى النور. ويبدو أن الأمر كان مقصودا لهذا الغرض. فلو جرى الحديث عنها على إنها مبادرة أو خطة أو رؤية لحل الدولتين لكانت مجرد رقم إلى ما سواها من مبادرات ومخططات ورؤى تخص القضية الفلسطينية. تسويقها على إنها صفقة تختصر قرنا بكامله لم يكن سوى إيهام بالقبول المسبق وهو ما لم يتحقق بعد تفكيك بنودها. أما البريكست البريطاني فقد عزز النظرة الى القارة الأوروبية التي توصف بالقارة العجوز التي لم تعد حلما للكثير من الدول ومنهم تركيا. فتركيا دخلت منذ  ثمانينيات القرن الماضي مباحثات نيل عضوية الإتحاد الأوربي التي كانت حلما راود الأتراك قبل مجيء أردوغان العام ،2002  الذي غير قواعد اللعب مع الأوروبيين على طريقته لا طريقتهم. خلاصة القول إنّه  في الوقت الذي تحتاج الصين الى أقنعة لمواجهة كورونا فإننا نحتاج الى نزع الأقنعة لمواجهة تحديات بناء الدولة.