زهير كاظم عبود
الاختلاف في وجهات النظر تزامن مع الوجود البشري، وأصبح الرأي من الحريات التي يتمتع بها الإنسان، وهذا الرأي يختلف من إنسان إلى آخر، وكانت الديانات الأولى قد نصت على هذه الحرية، ثم نص عليها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في المادة 19 إذ شمل الحرية في اعتناق الرأي من دون مضايقة، وإن لكل شخص حق التمتع بحرية الرأي والتعبير وفي التماس الأنباء والآراء وتلقيها ونقلها إلى الآخرين بأية وسيلة ، ودونما اعتبار للحدود.
وحق الرأي من الحقوق التي تزامنت مع مبادئ الحقوق والحريات التي يتمتع بها البشر، وتقاس ثقافة المجتمعات وتطورها وفقا لنسبة ممارسة هذا الحق عمليا، بمعنى الإيمان به عمليا ونظريا، وهو، كذلك، ليس نصوصا مكتوبة يتم كتابتها ضمن الدساتير أو القوانين، بل يبقى ذلك ضمن فكرة الحرية وقبول الآخر والتعود تدريجيا على الالتزام بالمبادئ العامة لثقافة الاختلاف في الرأي.
وما يجري على الساحة السياسية اليوم في العراق يشكل نكوصا وتراجعا في مفهوم التعبير عن الرأي، بالنظر للجوء العديد من الأطراف إلى إلصاق الاتهامات الباطلة والتنابز وإطلاق العبارات التي تمس الشرف والسمعة، والتي لها وقع وتأثير في مجتمعنا الذي يعير لها كل الاحترام والتقدير.
ونصت المادة 28/أولا من الدستور العراقي على أن حرية التعبير عن الرأي حق لكل مواطن بكل الوسائل، وهذا الحق تكفله الدولة بما لا يخل بالنظام العام والآداب. ووفقا لهذا النص الدستوري نجد لزاما ترجمته الى واقع عملي نتدرب عليه ونتكاتف من أجل أن يكون نمطا من السلوك الإنساني المعتمد في حياتنا، ونحن نزعم بأننا نخطو نحو رسم الديمقراطية في سلوكنا وحياتنا ونصوصنا القانونية.
في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ العراق، وضمن الظروف التي نعيشها في منطقة يكاد لهيبها يصل إلى السماء، تتعرض جميع شرائح المجتمع العراقي للخطر، والتعرض لهذا الخطر المحدق لن يستثني أحدا فيحترق الأخضر واليابس.
ضمن صفحات التواصل الاجتماعي والفضائيات العراقية والعربية وحتى الأجنبية يستعر الاختلاف في وجهات النظر بين العراقيين، ويصل الخلاف الى مستويات لا تخدم نظرتنا لمستقبل العراق وأن اختلفنا في الرؤى، ولزاما على كل من يحب العراق أن يجعل العراق ومستقبله ومصلحته القاسم المشترك الذي لا يختلف عليه أحد، وأن نلتزم بأخلاقنا وتربيتنا وخصوصيتنا العراقية، وأن نحاول بقدر ما نستطيع أن نحصر خلافنا الفكري أو السياسي ضمن الإطار والحيز الخاص بذلك، من دون أن ينعكس ذلك على علاقاتنا الاجتماعية والوطنية.
من صفات الإنسان العاقل أن يكون واسع الصدر يتقبل النقد مثلما يتقبل آراء الآخرين التي تتقاطع معه، ومن صفاته، كذلك، أن يلجأ إلى الحجة بعيد عن أي أسلوب آخر، وعدم التمسك بالرأي في حال عدم وجود سند أو قرينة أو دليل تثبت صحته، وغير مقبول مطلقا اللجوء إلى التجريح والتشهير والتنابـز، فسلوك التنــكيل والقذف لا يشكل جريمة يعاقب عليها القانون فحسب، بل هي من الصفات الذميمة التي يلجأ إليها الفاشل والفارغ الذي يجد في التجاوز اللفظي وإلصاق التهم الوسيلة الوحيدة التي تسوغ فشله وخسرانه لمقابلة ومواجهة الرأي الآخر.
نحن ضمن هذا الظرف نحتاج الرأي الآخر كما نحتاج إلى تنمية ثقافة الاختلاف، ولكن أن تكون هناك ضوابط تكفل احترام النظام العام والآداب، وأن يحكمها أيضا ضوابط شرف الكلمة والرأي وانعكاس التربية والأخلاق بعد كل هذا عليه.
ما نختلف عليه لا يمكن أن يصل إلى أن نسيء للعراق، وأن نساهم عن قصد أو من دون قصد بالإساءة إلى سمعته أو تخطي القيم التي صنعها بتاريخه، ولم يزل العراق منارة الدنيا وبلد القيم والمحبة والتآخي، فكيف نقبل أن نغمد خناجرنا بصدور بعضنا ليقنع أحدنا الآخر أنه على الحق؟!
وهو العراق حزينا على ما يجري بين أبنائه، وهو يحمل جثث الشباب يشيعها الى المقابر، ويودع الجرحى في المشافي والبيوت، ولم تزل الاتهامات يتقاذفها كل الأطراف، ويغيب العقل والمروءة والشهامة، ونحن نتراجع يوما بعد يوم، فتضيع منا فرص ونضيع معها فرص مستقبل أولادنا وأحفادنا، ونحن نرسم الخراب والهوان والضعف في بلدنا فيلعننا التاريخ، وفرصتنا من أن نتفهم بعضنا ونحكم عقولنا ونشخص بشرف أسس المحنة وأسباب الخراب والفساد وأن نحقن دماء الناس ونحمي أملاكهم و نصون حرياتهم، وأن نعمل سوية على أن تنتهي هذه الحقبة التي انتشر فيها الفساد مثل الوباء.