يشير مفهوم الكثافة المصرفية إلى عدد السكان لكل مصرف في بلد ما وهو احد المؤشرات المصرفية المعتمدة في التحليل الاقتصادي والمالي، ومن ثمّ كلما انخفض هذا المؤشر دلَّ ذلك على انتشار العادات المصرفية، ففي الاتحاد الأوربي سجل هذا المؤشر (1500) نسمة لكل مصرف وعليه فهو أفضل منه في الولايات المتحدة التي سجل فيها خمسة آلاف نسمة لكل مصرف، إلّا أن الاشكال الذي يعتري بعض الابحاث هو اخذ المؤشر بشكل مطلق دون النظر الى خصوصية الاقتصاد من حيث درجة العمق المالي او التقدم التكنولوجي
المستخدم.
لذلك نجد كثيرا من المهتمين بالقضايا المصرفية وحتى بعض المسؤولين يعتقدون بتراجع هذا المؤشر في العراق والبالغ عشرة آلاف نسمة لكل مصرف، ويقدمون التوصيات بشأن تحسينه من خلال زيادة عدد المصارف والفروع المصرفية في سبيل تحقيق ذلك، وهم بذلك يحللون المؤشر بشكل مطلق دون النظر لواقع الاقتصاد العراقي وخصوصيته.
يبلغ عدد المصارف في العراق حاليا (76) مصرفا، علما أنّ عدد فروعها مجتمعة يقرب من (1310) فروع، وهذا الأمر بالتأكيد سيحسن نسبة الكثافة المصرفية في العراق إلّا أن السؤال الأهم هو الى اي مدى سيتحقق
ذلك؟ ولمعرفة الإجابة لا بدّ من العودة إلى السؤال الذي سبقه، وفي إطار الإجابة ينبغي استعراض عدد من المؤشرات التي منها نسبة التسرّب النقدي التي تصل في العراق إلى نحو (70 %) وهي تمثل نسبة ما موجود من عملة خارج الجهاز المصرفي من إجمالي العملة المصدرة، وهذا يدلل على ضعف التعامل مع الجهاز المصرفي على الرغم من تحسنه نتيجة الاجراءات العديدة التي اتخذها البنك المركزي، لاسيما مشروع توطين الرواتب، فضلا عن ذلك فإن (80 بالمئة) من الودائع تقريبا موجودة لدى المصارف
الحكومية.
وفي المقابل فإنّ نسبة السيولة المصرفية هي بحدود (90 بالمئة) وهي تزيد عن النسبة المعيارية التي وضعت ضمن متطلبات بازل، وهذا يعني أن المصارف لم تتمكن من توظيف ما متوفر لديها من سيولة بفعل التحوط العالي من جهة وضيق السوق وعدم استقراره من جهة أخرى، وعليه نرى ضرورة التغافل عن التقدم المتحقق في عمل القطاع المصرفي، فمؤشر الكثافة المصرفية بالقياسات النسبية مرتفع لدينا وليس العكس كما يعتقد كثيرون.