التعبير الوجداني متنفّساً شعريّاً

ثقافة 2020/02/07
...

منذر عبد الحر
 
حين يجد المرء نفسه باحثاً عن نافذة يطلّ منها على بوحه، وملاذاً آمنا لتطلعاته، يشعر بالثقة والارتياح، وينطلق نحو براري انفعالاته، فينشد أوجاعه عن طريق لغة تتحرر من قيود واشتراطات مرسومة سلفا، لوضع الشعر في أطرٍ لا يتقبّل الكثير من الشعراء المكوث فيها، والشاعر ستار جميل الجنابي من الذين اختاروا نسق الخروج إلى فضاء قصيدة النثر، للتعبير عن هواجس وأفكار وهموم، بأسلوب مكثف أعطى فيه دفقا من حيوية التعبير واستخلاص التجربة الحياتية ببساطة وعمق، فهو حين يقول :دللُّول تفترشُ ذاكرتي كلّما وضعتُ رأسي على الوسادةِ أسمعُها …. كترنيمةِ قدّاس صوت أمّي فهو يؤدي ترنيمة حياة، ونغمة 
شجن وحنين، باستحضار مفردة ليست كمثل المفردات لأنها تشعل في وجدان كل إنسان رفة حنان لا يتوفر إلا عند الأم، هذا الكائن العجيب في إنسانيته، الباذخ 
في عطائه، الباذل كل شيء دون أن ينتظر جزاء ما، هنا، أجاد الشاعر في رسم تداعيات رمزيتها، وهي أنموذج من النماذج التي اخترتها للإشارة إلى هذا الشاعر المليء إحساسا، وهو يستحضر رؤى الحياة، 
يجعله الانفعال العاطفي أحيانا يتجلّى حتى يصل إلى القول المباشر من أجل تأكيد فكرته وإرسال رسالة المعنى الذي يرومه هدفاً من كتابته، وهو 
يقول في مقطع آخر من مجموعته: رأيتُ نفسي 
أمشي في جنازتي رجعتُ بعدما واريتُ أمنياتي بالتراب . 
هنا، تبلغ القسوة، وجلد الذات إلى مديات تجعل الشاعر، يستحضر ميتة مفترضة، دالة على وضع النفس في هاجس التطلعات والأمنيات، التي جعلها الشاعر معادلاً لوجوده الحياتي، وما تعني إليه الأشياء، برهافة، تضع قسوتها في تعبير جماليّ مؤثر، نجح الشاعر في رسمه، وهو هنا يسعى لأداء دلالة خاصة، بعيدة عن المعنى التقليدي لهاجس الوجود البشري ... فيما يقول في مقطع آخر: أنا والعزلةُ التي تعرفينَ مُتأهب لاستقبالكِ في موكبِ الأحلام. وهو تعبير آخر عن إحساسه بوجوده الإنساني، وإقرانه برؤى الوجدان والمشاعر والأحاسيس، والكلام يطول عن هذا المنحى في التعبير، لكنني سأكتفي بهذه الإطلالة على عالم الشاعر، كي أترك للقارئ فسحة لتأمّل القصائد كلها، والغور في عوالمها والتفاعل مع شاعرها المبدع الذي يواصل مسيرته الإبداعية بخطى واثقة.