اكتشف البرتغاليون رأس الرجاء الصالح كطريقٍ الى الهند وما وراءها عام 1488م، وبات يعرفه التجار العرب والصينيون، واستمرت التجارة الغربيَّة هكذا حتى فتح قناة السويس في الربع الأخير من القرن التاسع عشر لتختصر الطريق الطويل المعروف برأس الرجاء الصالح.
وهكذا تسعى التجارة الدوليَّة لتقليص كلف المسافات وقتاً وأموالاً، وتعدُّ الصين رائدتها الآن من خلال الحزام وطريق الحرير التاريخي الذي تواصل مع العرب منذ صدر الإسلام من خلال تأسيس البصرة على يد عتبة بن غزوان.
الآن يسعى طريق الحرير لاستئناف نشاطه ليصل لأوروبا من البحر عبر البر العراقي من خلال (ميناء الفاو) الى تركيا، فأوروبا والذي تضمنه الاتفاق العراقي الصيني والذي بوشر بإنشاء صندوقه اعتباراً من 1/ 10/ 2019 مع مشاريع للبنية التحتيَّة في الكهرباء والصناعة النفطيَّة وصناعة البتروكيمياويات والإسكان من خلال برنامج النفط مقابل الإعمار.
الآن وقد احتدم الجدل بين مُعارضٍ وموافقٍ ومتمهل، وأغلب المعارضين ومتحمسي الموافقة يجادلون إما عن قناعة مسبقة أو استنتاجات غير مبنيَّة على معلومة، فالاتفاق هو تمويلي ويمكن تصفيته في أي وقت يشاءُ العراق.
أشيع عن ارتهان النفط في حين إنَّ المستقطع لغرض الاتفاق أقل من المحتجز دولياً للديون الكويتيَّة التي من المفترض أنْ تسدد في العام المقبل، وربما ينظم هذا الاستقطاع للاتفاق ليوسعه، وجادل آخرون بأنَّ أميركا ممتعضة وهذا غير واردٍ، خصوصاً أنَّ البنية التحتيَّة على الطريقة الأميركيَّة جازفت بـ 18 مليار دولار بعد 2003 وكانت شركة بكتل الأميركيَّة التي وزعت المقاولة بين 800 مقاول هي التي أهدرت المرصود بنتيجة سالبة جداً.
ولذلك الأميركان والأوروبيون لا يغامرون في مشاريع البنية التحتيَّة في بيئة ما زالت غير مستقرة وفق مقاييسهم؛ أي عكس الصين التي تعمل في كل البيئات، ولذلك لا يتنافسون في هذه الحالة، أما حجة الارتهان فهناك مؤسسات دوليَّة تدقق كل المتعلقات بما يضمن مطابقة الإنجاز حسب الاتفاق.
بما أنَّه لا مشروع قبل الفاو الذي يعدُّ حجر الأساس ليس للاتفاق فحسب بل لتنمية مستدامة تستدعي كهرباءً متكاملة مع الاقتصاد الحقيقي، ولذلك يصبح الفاو مشروعاً ورمزاً له من الأهميَّة ما توازي قناة السويس كونه سيصبح رأس رجائنا الصالح، والصين لا تقل اهتماماً عنا وعن جميع شبكة الطريق والحزام التي تتنامى من آسيا الى أوروبا وأفريقيا.
أما المخاوف من ميناء مبارك فالإرادة الدوليَّة التي تدعمها الصين وخيار طريق الفاو تركيا ثم أوروبا لا ينافسه موقعٌ في المنطقة حسب الجغرافيا الطبيعيَّة وليس السياسيَّة، ولا يفوتنا أنَّ الوضع الدولي لا تحركه غير المصالح حيث ستكون الكلف أقل لبضائعهم وبضائع غيرهم.