خان ومتحف الشيلان.. {بانوراما} نجفية خالدة

ثقافة شعبية 2020/02/08
...

بابل - ساجدة ناهي 
تصوير – حيدر الحيدري 
كلما مررنا في شارع الخورنق الثقافي متوجهين لزيارة امام المتقين علي بن ابي طالب عليه السلام  في النجف الاشرف تنتابنا رغبة عارمة لدخول خان الشيلان او ما يعرف حاليا ب متحف تراث النجف وثورة العشرين منجذبة بالمدافع التي تزين جانبي المدخل وجمال المبنى التراثي الاخاذ بشبابيكه الخشبية ذات الالوان المميزة والذي قلما نراها في شوارع مدينتنا 
 
قال لي الدكتور حمزة عباس الخالدي مدير المتحف ان هذا المبنى كان بالأمس البعيد سجنا لـ 168 اسيرا بريطانيا تمكن رجال ثورة  العشرين من اسرهم  لمدة اربعة اشهر وما زالت رسوماتهم وكتاباتهم على الجدران شاهدا على تلك الفترة المشرقة من تاريخ العراق الحديث والذي طالما صدحت فيه  المقولة المأثورة ( الطوب احسن لو 
مكواري) . 
   بني هذا المكان عام 1895 م كمضيف لزوار الامام علي عليه السلام من قبل احد الميسورين وهو الحاج احمد زكي الذي اصيب ابنه بمرض السرطان ونذر ان يبني مضيفا للزوار في حالة شفائه  واوفى بنذره كما قام بإيصال الماء والكهرباء للمرقد الشريف علما انه لم يكن يعيش في هذه المدينة  بل كان يرسل الاموال عن طريق وكلائه من بيت
 الزكي . 
الاسم القديم لمتحف النجف هو خان الشيلان وهي كلمة تركية  او قوقازية تعني المضيف و تبلغ مساحته الكلية 1500 متر ويتكون من 44 حجرة متداخلة موزعة على طابقين بنيت على الطراز الحيري العربي الاصيل بأقواس ومنحنيات ومقرنصات الفن الاسلامي المبهر واهم ما يميز هذا البناء المتكامل  الجميل هو السراديب الثلاثة التي تتوزع بين اماكن مختلفة منه والبئر الذي يتوسط الباحة الرئيسة للمتحف بدهاليزه المتشعبة الذي ما زال يحكي صمود وبسالة رجالات ثورة العشرين والتي استخدمها الثوار في حراكاتهم مما أسهم في ادخال الرعب في نفوس اعدائهم .  
حالما تبدأ بدخول الغرف المتصلة  للمتحف تطالعك اينما تولي وجهك صور لهذه البناية التراثية  قبل الصيانة وتشاهد مقدار الاهمال الذي تعرض له هذا المكان ابان النظام السابق وسقوط 40 % من اجزائه حتى تحول الى مكب للنفايات ثم صيانته من قبل الهيئة العامة للآثار والتراث في النجف الاشرف و بخبرة واشراف كوادر عراقية
متخصصة . 
كما يمكنك ان تشاهد  مجموعة من المقتنيات المنزلية التراثية التي كانت تستخدم في البيت النجفي القديم و الحلي النسائية والملابس والازياء التي كانت تلبس في تلك الفترة  والاهم من ذلك الاسلحة التي شاركت في ثورة العشرين  ومجموعة كبيرة من الوثائق المهمة من ضمنها المراسلات بين العلماء وشيوخ العشائر مع صورهم وصور ثوار العشرين . 
 يقول الدكتور الخالدي ان هذا المتحف هو الوحيد في مدينة  النجف الاشرف وهو من اهم المباني التراثية فيه  الى جانب ما يضيفه من اهمية موقعه الجغرافي القريب من مرقد الامام علي عليه السلام لذلك يزوره  مجموعة كبيرة من الزوار العرب والاجانب اضافة الى السفرات المدرسية 
والجامعية . 
وعرفت من حديث الدكتور الخالدي  ايضا ان  احداثا مهمة تتعلق بتاريخ العراق الحديث مرت على هذا المبنى  لتكون خانا للمسافرين تارة ومقرا للحكومات المتعاقبة تارة اخرى او مقرا للثوار ثم سجنا للأسرى البريطانيين ثم يتراجع  ليتحول الى  محال تجارية ثم مكب للنفايات حتى صيانته قبل اعوام واستعادة مكانته التاريخية المهمة وتحويله الى متحف يضم تراث مدينة النجف الاشراف وبصمات رجالات ثورة العشرين 
الابطال . 
مدير  المتحف  اكد ايضا ان هذا البناء الذي مر على بنائه 320 سنة كان سجلا لكل الاحداث المهمة التي جرت في  التاريخ الحديث لمدينة النجف الاشرف والفرات الاوسط  إذ كان مقرا للحكومة العثمانية وبعد ثورة النجف عام 1915 اصبح مقر الحكومة المحلية النجفية لمدة عامين كما تحول بعد ثورة العشرين  الى سجن للأسرى البريطانيين بعد ان استطاع الثوار ان يأسروا 168 جنديا  بريطانيا بينهم الضابطان واللذان  قاما خلال هذه الفترة بتأسيس جمعية الاسرى البريطانيين وهي اول جمعية للأسرى بالعالم وكانت تحت رعاية الحوزة الشريفة  برئاسة الشيخ المرجع الشريعة الاصفهاني ومجموعة من شباب ووجهاء وتجار النجف الذين كانوا يزودون الاسرى بالطعام والملابس اضافة الى تأمين وصول رسائلهم وما زالت جدران خان الشيلان تحتفظ بكتابات الاسرى الانكليز ومذكراتهم ورسوماتهم  في الطابق العلوي من 
المتحف . 
متحف النجف او خان الشيلان .. مبنى تراثي متكامل يضم مكتبة كبيرة يؤمها الكثير من طلبة الدراسات العليا والباحثين الذين كان لهم الفضل في تسمية هذا الشارع بشارع الخورنق الثقافي من خلال المحاضرات الثقافية الاسبوعية التي تقام في قاعات المتحف كل يوم سبت وبحضور شخصيات ثقافية واجتماعية 
مهمة . 
وكان ختام جولتنا مشاهدة بانوراما ثورة العشرين التي احتلت القاعات الاخيرة للمبنى والتي تجذب انتباه كل من يزور المتحف بتفاصيلها الكثيرة التي غطت احداث ثورة العشرين ومعركة الرارنجية بكل احداثها المعروفة على طول 15 مترا رسمها عام 2013 اساتذة اكفاء  من كلية الفنون الجميلة وهناك مشروع لاضافة الصوت الى هذه 
البانوراما .