التحول إلى {النباتية}.. خيار أم ضرورة للباكستانيين؟

بانوراما 2020/02/08
...

هارون جانجوا
ترجمة: ليندا أدور
تعد باكستان ثاني أسرع بلد في العالم بالتحول الى النظام الغذائي النباتي، هذا ما كشف عنه تقرير نشر حديثا، إذ يشير المحللون الى أن التضخم الكبير بات يؤثر في أنماط غذاء الكثير من الباكستانيين، وهو ما أجبرهم على التخلي عن تناول اللحوم.  يذهب راجا أيوب (55 عاما)، صاحب مطعم في إسلام آباد، سيرا على الاقدام، صباح كل يوم، ليشتري الخضراوات اللازمة لمطعمه الذي أمضى بإدارته عشر سنوات، لكن شيئا ما أثار قلقه، تمثل بظهور توجه جديد بدأ يكتسب شعبية بين الباكستانيين، وهو التحول نحو نظام غذائي يعتمد على النباتات أو ما يعرف بـ {النباتية}.
إذ يتجه العديد من الباكستانيين الى اتباع الحمية النباتية أسباب عدة، ومن أهمها ارتفاع أسعار اللحوم وازدياد الفقر، مع تباطؤ النشاط الاقتصادي في هذا البلد الجنوب آسيوي بسكانه البالغ عددهم 208 ملايين 
نسمة.
 
تغيير قائمة الوجبات
أثار هذا التوجه القلق والانزعاج، على حد سواء، لدى أيوب، الذي أجبره على تغيير نمط الوجبات التي يقدمها في مطعمه. يقول: "لا  أدري ما الذي أصاب الباكستانيون، فقد اضطرني التحول في نظامهم الغذائي الى تغيير قائمة وجبات المطعم"، مضيفا "لقد انخفضت نسبة استهلاكهم اللحوم بشكل كبير، وقد وصلت الى مستوى متدن جديد بالفعل".
لكن لأيوب بعض الأفكار التي كانت وراء هذا التغيير المفاجئ في طلبات الباكستانيين على الغذاء، الذين عرف عنهم حبهم الشديد لتناول اللحوم. 
يرى أيوب ان الناس بدؤوا يهتمون بصحتهم، وما عادوا يفضلون وجود اللحم في نظامهم الغذائي، أو لم يعد بإمكانهم شراؤه بسبب الانكماش بمدخولاتهم وهو توجه ملحوظ أعقب التراجع في النشاط المالي وارتفاع نسب التضخم.
تتطابق وجهات نظر أيوب مع ما توصل اليه بحث أجري مؤخرا يُظِهر ان التوجهات بعموم أنحاء العالم هو تزايد أعداد الاشخاص الذين يتحولون الى النظام الغذائي النباتي، وفي السنتين الأخيرتين على وجه الخصوص. فقد كشفت دراسة السوق التي أجرتها شركة يورومونيتور أن باكستان تعد ثاني أسرع دولة تتحول الى "النباتية" ، إذ وصل عدد الأشخاص فيها الى أكثر من مليون شخص.
يشهد محل الخضراوات الذي يرتاده أيوب، زحاما شديدا، يوميا من شروق الشمس حتى مغيبها. يذكر مالك المتجر، ريحان اوان، أن الطلب على شراء الخضراوات قد ازداد بشكل كبير وأن متجره مكتظ تماما وهو يكافح من أجل التعامل مع هذا الوضع، إذ يقول:. "أصبحنا نجلب خضراوات أكثر كل صباح الى المتجر، لكنها  سرعان ما تختفي من على الرفوف" مضيفا "واليوم، اضطررت الى تشغيل ثلاثة بائعين للمساعدة بتنظيم تدفق العدد المتزايد من الزبائن".
 
تصويب الانفاقات
تشير شاهناز بيجوم (40 عاما)، تعمل كخادمة منزل باسلام آباد، بأنها غير مرتاحة لارتفاع أسعار اللحوم، فبالرغم من انها باتت تكسب أكثر من العام الماضي، الا أن تصاعد الانخفاض بقيمة العملة جعل بيجوم تكافح من أجل تأمين لقمة العيش لأسرتها المكونة من 8 أفراد. "في العام الماضي، كنا نأكل اللحم خمس مرات في الشهر، لكن بعد تولي عمران خان للسلطة رئيسا للوزراء، صرنا نفكر كثيرا [حول ما]، اذا كنا سنشتري اللحم مرة واحدة في الشهر"، مضيفة "حتى ان أسعار الخضراوات هنا في اسلام آباد، قد ارتفعت ضعفين منذ تشكيل حكومة خان".
أما المحلل الاقتصادي شهباز رانا فيقول: "ادى التضخم نتيجة ارتفاع التكلفة الى إرغام الناس تدريجيا، ومن ذوي الدخل المنخفض والمتوسط بشكل خاص، على تغيير عاداتهم الانفاقية"، موضحا بأن "ثلث الخسائر جراء انخفاض قيمة الروبية مقابل الدولار الاميركي خلال العام الماضي، قادت الى ارتفاع كبير بأسعار البضائع، ومنها البقوليات والتي يتم استيراها لتلبية حاجة الطلب المحلي، كما أن الارتفاع بتكلفة نقل الغاز والكهرباء، دفعت مجموعات من فئة الدخل المحدود الى تصويب انفاقاتها ضمن سلع مختلفة". 
أكد مسؤولون في الجمعية الباكستانية للدواجن على الانخفاض الحاصل بالطلب على الدجاج بسبب القيود الاقتصادية المفروضة وارتفاع الأسعار. يشير سليم أختر، نائب رئيس الجمعية، بأن: "خسارة تجارة الدواجن مستمرة، اذ سجل وجود فائض خلال الاشهر التسعة الماضية رافقه تراجع حاد على الطلب، وهو أمر لم يسبق حدوثه". بالرغم من ذلك، يعتقد أختر أن الأمور قد تتحسن خلال السنوات القليلة المقبلة. 
 
مأزق اقتصادي
لا يعير عزير خان، يعمل قصاب ويقيم في اسلام آباد، أهمية لأي شيء في الوقت الحالي، سوى تجارته. اذ صار يجلس بمحل القصابة خاصته لساعات دونما زبائن، عازيا ذلك الى ارتفاع الأسعار الذي أثر على القدرة الشرائية مع فرض ضرائب غير ضرورية على ملايين الأشخاص من المعوزين. يذكر أن صندوق النقد الدولي سبق له أن طالب باصلاحات هيكلية، والتي الحقت ضررا برجال الأعمال والأشخاص من ذوي الدخل 
المنخفض.  
تواجه حكومة خان، التي تسلمت السلطة في شهر آب من العام الماضي، مشكلات اقتصادية ضاغطة ومتصاعدة فضلا عن إجراءات تقشفية صعبة ضمن خطة إنقاذ بقيمة 6 مليارات دولار أقرها صندوق النقد الدولي، والتي بدورها تضغط على الأشخاص من الطبقة الدنيا والمتوسطة وهم من جاؤوا بخان الى السلطة.
يقول رانا: "ربما يتحول الباكستانيون بغذائهم الى الخضراوات من أجل صحة أفضل، لكن سببا آخر يضاف وهو تراجع قدرتهم الشرائية لابتياع اللحوم. 
فالطبقة المثقفة تزيد من استهلاكها للخضروات والفواكه لأسباب تتعلق بالصحة، لكن أسعار اللحم الأحمر والدجاج قد ازدادت بشكل ملحوظ بغياب الضوابط التنظيمية عليها".  فقد نعيم سليم، هو الآخر عمله بتجارة الدجاج والبيتزا جراء ارتفاع الضرائب والاجراءات المتبعة مع رجال الأعمال".
بعد ان أصبحنا عاطلين، تحولنا الى النظام النباتي وتوقفنا عن أكل اللحوم، حتى اننا صرنا نطبخ كاري السمك بالماء، كي نتمكن من إطعام أفراد عائلتنا السبعة". 
فيما يقدر أصغر علي، استاذ الاقتصاد بجامعة كراتشي، بأن أكثر من مليون شخص سيخسرون وظائفهم ويتخلون عن أعمالهم، وان أكثر من 8 ملايين شخص قد ينزلقون الى ما دون خط الفقر، خلال الأشهر المقبلة". شدد رانا على أن: "الوضع الاقتصادي لا يزال في مأزق، وعلى الرغم من اعلان ان العامين المقبلين سيكونان عامي استقرار اقتصادي، لكن فرص الانتعاش الاقتصادي لا تزال ضئيلة جدا".
 
* موقع دويتشه فيله الالماني