حسين الذكر
إعادة قراءة المشهد العراقي الحديث، أو بالأحرى زيارة التاريخ بصورة أقرب وأثقب، تدل على أن معاناة العراقيين بعد 2003 لم تكن وليدة الصدفة ولا هي نتاج مخاض شعبي محض صنع فشلها وهدم مؤسساتها وأهدر ثرواتها وفقا لمزاج وطبيعة شريرة كامنة في نفوس وسلوكيات الشعب كما يصور أو يحاول أن يلصق بهم الآخر من تشويه متعمد أو جاهل مدفوع الثمن.
إعادة صياغة مفردات الوعي المنبثق من وحي الصور المشاهدة التي يراها ويطلع عليها اثنان بذات الوقت، تعني أن هناك فارقا كبيرا بين قراءة واعية تشعر بمعاناة ما خلف الأكمّة وبين تعابير الحروف ومخارجها المتحركة، ما ظهر منها وما رسخ واستتر، جراء فعل متعمد مؤجند، وما بين نظرة سطحية تقليدية مقيدة منقادة تدل على العمى في ميزان التبصر وتشرح حال من يريد الانقياد الى شواطئ الانتحار، لعودة قليلا إلى الوراء تجعلنا نعيد التمحيص بمسائل وملفات ومشاهد عدت من قبيل المسلمات على صعيد الوطن المستباح في ما هي بالحقيقة من مكنونات تظهر خلاف ما تستبطن وهي صناعة مؤجندة معدة بعناية استعمارية فائقة إن اطلعنا عليها عن كثب وتمعن من دون أن نولي الفرار والادبار سنجد حقيقة ما نعانيه اليوم كنتيجة طبيعة لما رسم وخطط لنا، هنا نحاول قدر الإمكان تحديد بعض ما أفرز وعشناه على شكل نقاط قد نتمكن من خلالها حصر الوقائع وفهم الواقع جله إن لم يكن كله.
1 - إن القوات التي دخلت العراق وعبرت عن نفسها لاحقا بالمحتلة في 2003، لم تأت من أجل عيون الشعب ولرفع المعاناة و إعادة صياغة يومياته حسب رغباته، بل هي كعادة أي محتل يحقق أجنداته بكل السبل حتى ما عُدّ مخالفا لحقوق الإنسان بل والحيوان.
2 - إن تلك القوى لم تأت عشوائيا أو ارتجاليا أو مجانيا، بل اتخذت كل الاجراءات ومهدت كل الأجندات داخليا وخارجيا لضمان تحقيق ذلك وفقا ما تريد.
3 - تهيئة أدوات العمل منذ زمن بعيد لانطلاق عمليات الهدم والتأسيس وفقا لما مخطط له، من هنا يجب أن نفهم أسباب حل المؤسسات والقوى التي قد تشكل عرقلة ما لهم، وقد تجلى ذلك بحل الجيش والشرطة وحرق المؤسسات وإعادة صياغتها وفقا لما مخطط
له.
4 - ترسيخ مفهوم المحاصصة والطائفية وخلط الأوراق وإشاعة الفوضى والحرب الأهلية والتشريد والتهجير ووضع عصى الخلاف بين المكونات والقوى وتحريكها كما رسم لها.
5 - كتابة دستور على أسنّة النار والحراب والتهديد والوعيد وبضغوطات جمة أفرغته من محتواه الوطني وجعلته أداة لظهور مطبات دائمة، تمهد لتدخل خارجي لتغيير المعادلات وتبديل الخرائط.
غير ذلك الكثير مما لا يعلمه إلّا الله والراسخون في علم الظلام وما يحاك خلف الجداران كان سببا لجعل الشعب بواد في ما كانت مغانم التغيير وطموحات ووعود الساسة بواد آخر، بمعنى أن ما حدث ليس وليد إرادة شعب أعزل طيب الأعراق مسالم طامح للخير يحمل بذرة الوعي ويمتلك الإرادة ومقومات التطور بما حباه الله ولا ينبغي أن نحمله تبعاته. من هنا ومتى ما أدركنا ذلك وعملنا على ترتيب بيتنا العراقي كله وليس بصورة مجتزئة، سنكون قد وضعنا أصبعنا على الجرح وآن لنا أن نبدأ التضميد والعلاج، بسلمية وانفتاح وتعاون دولي واقليمي، بعيدا عن شعارات الزيف واللصوصية التي أغرقونا وأوهمونا بها سنوات
طوال.