أين نجحنا .. وأين فشلنا؟

آراء 2020/02/09
...

زيد شحاتة
 
في كل الاحتجاجات والتحركات الشعبية، تكون هناك نتائج تختلف تبعا لمقدمات الحدث وظروف الأمة والبلد المعني، وطبيعة نظام الحكم وقادته، وحجم وطبيعة مطالب الجمهور التي دفعتهم للاحتجاج.ظروف العراق لا يمكن مقايستها أو مقارنتها بأي بلد وأمة أخرى؛ فقد مرَّ بما لم يمرّ به غيره وتعرض لشدائد ومحن، من حيث تعددها وتنوعها وتكرارها، وعلى مرّ تاريخه منذ القدم، تكاد تكون ضربا من الخيال لو رويت!
توقع العراقيون أن ما سياتي بعد العام 2003 سيكون تعويضا لهم أو لبضعة أجيال منهم على الأقل عّما عانوه من ظلم واضطهاد وقسوة الأنظمة التي حكمتهم، ولا سيّما خلال فترة سيطرة البعث. لكن ما حصل كان خيبة أمل كبيرة لهم، لا لعدم وجود تغيير، لكن لأن هذا التغيير لم يكن بمستوى الحدث ولا الطموح المزروع في خيالاتنا كعراقيين. غفلة ساسة ما بعد العام 2003 ممن تولوا الحكم، عن ظهور جيل لم يعاصر سنوات الحديد والنار، ولا يهتم كثيرا بثوابت ومقدسات أجيال سبقته، وفشلهم في تحقيق أحلام هذا الجيل، وسوء أدائهم ولو بتسويق ما تحقق من النزر اليسير من المنجزات، كان سببا جوهريا في انفجار غضب شعبي اجتاح مناطق الوسط والجنوب ذات الغالبية الشيعية، حيث يفترض أنها معاقل للأحزاب التي تمسك زمام السلطة!
هذ الحراك الشعبي، ورغم تمدده لعدد من المحافظات، انخفض زخمه نسبيا، وبعد فترة ليست طويلة من انطلاقه، نتيجة أخطاء عدد من المشاركين فيه غفلة، أو عمدا، لا سيّما في ما يتعلق بمهاجمة الحشد الشعبي والمرجعية الدينية ولو بشكل تلميحي، واستعداء جمهورهما وتمزيق صور شهداء الحشد، وقطع الطرق بشكل فج، ومنع الدراسة بالقوة، وغيرها من التصرفات غير المدروسة، على الرغم من محاولات المرجعية المستمرة لتقديم النصح لتقويم تحركاته لكن من دون جدوى! كل هذا دفع قطاعات من الجمهور للنفور والتراجع في تبنيهم لكل خطواته، كما أن دخول أحزاب وتيارات سياسية معروفة، بشكل لم يكن خافيا على أحد، والدعم المبالغ فيه من قبل قنوات فضائية معروفة التوجه، وتبعيتها لدول معينة بشكل رسمي، زاد الشكوك بوجود اختراق لتلك الاحتجاجات، وهو ما لا يختلف عليه اثنان، لكن يُختلف على نسبته، إن كانت مؤثرة في مساراته أم لا.
مخطئ من يظن أن الحراك الشعبي كان مؤامرة مدبرة بشكل مطلق، وواهم ويكذب على نفسه من يراه ملائكيا شعبيا بالكامل. فهو كان تحركا شعبيا حقيقيا بعد أن وصل الناس لقناعة مفادها أن من يقود البلد حاليا هم في أحسن أحوالهم فاشلون. ولنعترف كذلك أن أحزابا وتيارات و دولا دخلت على خط الاحتجاجات وتاجرت بها وبدماء من سقطوا فيها، ولن نجانب الحقيقة إن قلنا إن هناك من تدخل ليدفعها نحو مسارات غير صحيحة، وهناك من استخدمه كورقة "ابتزاز" سياسية واقتصادية، بل حتى دينية وعقائدية!
بعد كل ، هل نجح هذا التحرك أم فشل؟
من الواضح أن مقياس النجاح والفشل نسبي، يتعلق بالأهداف المرجو تحقيقها، والظروف المحلية والإقليمية والدولية، وإن كان يمكن الوصول لتلك الأهداف عمليا. بالتالي فمن الإنصاف القول إن تلك الاحتجاجات قد حققت أهدافا مهمة، لا سيّما في ما يتعلق بالعملية الانتخابية، وهي أصل عملية تداول السلطة وتغييرها، ونجحت كذلك في جعل الجمهور يعرف أنه هو صاحب السلطة ومن يقرر من يتولاها، وأوصلت تلك القناعة للساسة كذلك.هذا يشبه رمي حجر في بركة راكدة، فرغم أنه قد يظهر نتائج مزعجة في البداية، لكنه في النهاية سيدفع الأمور للتحرك بالاتجاه الصحيح.