لـمـاذا تضـرب التفجيـرات مــدن السويــد؟

بانوراما 2020/02/10
...

ريتشارد أورنج

ترجمة: خالد قاسم

في بلاد ذات معدلات جريمة واطئة، كان من الغريب أن ترتفع حدة حوادث المواد المتفجرة الى مستويات أزمة، فأول شيء لاحظه دانييل غورين هو تنافر صوت منبهات السيارات، وعند الساعة الثانية صباحا اهتز جميع من يسكن ذلك الشارع الجذاب بمدينة مالمو السويدية بسبب انفجار ضخم، قد يظن المرء أن هذا الانفجار القوي غير طبيعي وسط منطقة تسكنها الطبقة الوسطى في السويد الآمنة والمنظمة جيدا، لكن التفجير الذي وقع أواخر تشرين الثاني من العام الماضي كان أحد ثلاثة تفجيرات ضربت مالمو خلال 24 ساعة فقط.

وفقا لبيانات المجلس الوطني السويدي لمنع الجريمة هناك 257 جريمة تتضمن متفجرات ضربت البلاد العام الماضي، أي بزيادة 60 بالمئة عن 2018. وتعد جرائم اطلاق نار العصابات مرتفعة أيضا بشكل مخيف بعدد 320 سجلت العام الماضي وكانت 41 منها قاتلة. 
وقع مؤخرا تفجيران متزامنان بمبنيين سكنيين في إحدى ضواحي العاصمة ستوكهولم، وكان آخر تفجير قد وقع يوم 10 كانون الثاني الماضي في مالمو، وقالت ليندا ستاف مديرة استخبارات الشرطة الوطنية السويدية: "تعد تلك التفجيرات في أماكن عامة مشكلة خطيرة خاصة بالسويد، وليس من الطبيعي رؤية هذه الأنواع من الانفجارات في دولة لا تشهد حربا."
تعزز موجة التفجيرات واطلاق النار أحزاب المعارضة من يمين الوسط والشعبويين الديمقراطيين وتقوض مكانة حكومة الاشتراكيين الديمقراطيين. وتتهم المعارضة رئيس الوزراء ستيفان لوفن برفضه الاعتراف بالصلة بين فشل الاندماج وتنامي جرائم العصابات.
لكن ماتياس سيغفريدسون نائب قائد شرطة مالمو يقول أن شرطة مدينته بدأت بالسيطرة على المشكلة بعد أكثر من خمس سنوات على انطلاقها. وشنت الشرطة ردا على التفجيرات الأخيرة عملية وطنية تدعى "الصقيع المتجمد" وأرسلت قوات شرطة من مختلف مناطق البلاد الى مدينتي مالمو وسكونا.
 
خلافات عائلية
يؤكد ماتياس أن الاحصاءات الصادمة الحالية غطت جرائم مسجلة وليست تفجيرات، "اذا سجلنا شكوى ضد شخص ما يحاول تنظيم تفجير، ومن ثم ندون ذلك فتلك الأرقام ليست تفجيرات حدثت بالفعل. وفي حالات كثيرة يعود ذلك الى اجراءات الوقاية الاستباقية."
بدأت الشرطة بوضع أفراد عصابات التفجير وراء القضبان، وسجن مؤخرا ثلاثة أعضاء من عصابة مفككة كانوا مسؤولين عن ثلاثة من التفجيرات الأخيرة.
يقول المدعي العام بإحدى القضايا أن تفجيرين على الأقل وقعا بسبب نزاع بين زعيم إحدى عصابات المدينة وأسرته، وضرب أحد الهجومات محلا يديره شقيقه الأكبر نتيجة خلاف بينهما لأنه لم يزره في السجن بعد اعتقاله عام 2018 بشبهة التحريض على قتل زوج أخته السابق.
لم تصدر إدانة بحق زعيم العصابة بجريمة القتل التي وقعت انتقاما لطلاق أخته، لكنه سعى للانتقام من أسرته فبدأ يطالبهم بديون حقيقية أو خيالية، وقبل أسابيع من التفجير بعث برسالة نصية الى شقيقه مطالبا إياه بمنح زميل له ما يعادل 60 ألف جنيه استرليني "ومن ثم نستطيع حل كل شيء بيننا داخل العائلة عندما يحين الوقت، ان شاء الله."
بعد خمسة أيام من تفجير المحل وقع انفجار داخل شقة تعود الى ابن عم زعيم العصابة، وعندما وصلت الشرطة وجدت شابا يبلغ من العمر 18 سنة، وهو من زرع القنبلة، ملقى على الأرض وقد بترت ذراعه وفقد إحدى عينيه لأنها انفجرت قبل وقتها.
أعدت الشرطة خلال التحقيق مجموعة أدلة ووجدوا مخزن أسلحة محشورا ضمن سقف مبنى لشقق يضم مدفعين رشاشين وذخيرة وأجهزة تفجير ومتفجرات بلاستيكية وأوعية حافظة للحرارة أستخدمت غلافا للقنابل. وصورت الشرطة زملاء زعيم العصابة وهم يدخلون المخزن ويشترون الأوعية وكانوا حذرين بعدم ترك بصمات أصابعهم عليها، ووجدوا الحمض النووي الرابط بين هؤلاء ومسارح الجرائم. 
استدعى المدعي العام؛ كريستوفر أوستليند؛ مرة ثانية الرجل الذي سحب الزناد بجريمة قتل الصهر عام 2017، وأخبر الرجل المحكمة عبر رابط فيديو من السجن أن زعيم العصابة قد أمر بالقتل وأنه هو من وفر السلاح، لكن وبينما أظهرت اشارات الهاتف النقال زيارة زعيم العصابة لمواقع التفجيرين، فإن كل الشهود الذين اتهموه سحبوا شهادتهم داخل المحكمة خوفا منه. ولذلك، عندما أصدرت المحكمة قرارها يوم 10 كانون الثاني الماضي فحبست ثلاثة من زملائه بين عامين وأربعة أعوام، قالت بأنه لا تتوفر أدلة كافية لديها لحبس الزعيم نفسه، وحكم عليه بإضافة شهر واحد فقط لسجنه لأنه أطلق "تهديدات غير قانونية". 
تقع التفجيرات عادة في زمان ومكان لا يحدث خسائر بشرية من قتلى أو جرحى، ويقول ماتياس: "ما نراه هو تفجيرات هدفها تهديد الآخرين وإخافتهم، وليس إلحاق الأذى بالآخرين."
يبقى اللغز قائما عن سبب انتشار التفجيرات في مدن السويد حيث معدلات الجريمة واطئة نسبيا، ويضيف ماتياس: "اذا قارنا أنفسنا بمدن ألمانية ذات التركيبة العرقية السكانية نفسها فهناك اختلافات كبيرة، ونحاول جعل الأكاديميين يكتشفون سبب ذلك." أما ليندا ستاف فترى الأمر ببساطة نمطا مشوها: "يؤثر أفراد تلك الشبكات على بعضهم البعض، ويعتقدون أنها الطريقة الواجب اتباعها اذا كنت منخرطا بنزاعات اجرامية، فهذا اتجاه سائد."