أثر الفكر المتطرف في تجنيد الارهابيين بأوروبا

آراء 2020/02/11
...

عبد الحليم الرهيمي
 

بالتزامن مع استخدام مختلف السبل والوسائل الأمنية والعسكرية والاستخبارية لمحاربة مقاتلي (داعش) وسائر الجماعات الارهابية، في العراق ودول المنطقة الأخرى، وكذلك دول العالم، لا سيّما الدول الأوربية، يتصاعد الاهتمام بضرورة مكافحة الفكر المتطرف، لا سيّما العنيف، بالحد من ينابيعه وجهات تمويله وصولا إلى القضاء عليه بوصفه الفكر المنتج والمؤدي للارهاب، الذي يتسم بالغلو والتطرف والكراهية ورفض الآخر وحتى تسويغ قتله.

وتقوم العديد من الدول الأوروبية، لا سيّما فرنسا وبريطانيا والمانيا وبلجيكا والدنمارك وغيرها، بتحديد وابتداع أفضل السبل والوسائل لمكافحة هذا الفكر بين المهاجرين إلى تلك البلدان من البلدان العربية والإسلامية، سواء القادمون الجدد إليها كلاجئين، أو الذين اكتسبوا الجنسية والمواطنة في تلك البلدان، وخاصة من الجيل الثالث من أبناء المهاجرين الأوائل، الذي بدأ يظهر اعتباراً من تسعينيات القرن 
الماضي.
ولتحقيق هذه البلدان النجاح في الحد، ثم القضاء على الفكر المتطرف لمنع وانهاء تأثيره في تجنيد مقاتلين إرهابيين لديهم، أو في بلدان أخرى، سواء كان ذلك في صفوف المهجرين من البلدان العربية والاسلامية، أو في صفوف مواطنيهم الأصلاء، عمدت حكومات تلك البلدان ومؤسساتها المعنية، وخاصة مراكزها البحثية، إلى القيام بالدراسات الفكرية والاجتماعية والسياسية وغيرها من الدراسات التي من شأنها تحديد السبل العملية لمنع انتشار وتأثير الفكر المتطرف المؤدي إلى الارهاب وتجنيد المقاتلين الارهابيين.
إن واحدة من تلك الدراسات مثلاً، التي صدرت في أعقاب احتلال داعش عدداً من المحافظات العراقية، في حزيران العام 2014، هي (دراسة سوسيولوجية عن أوروبيي داعش) التي أصدرتها (مجموعة الأزمات الدولية في بروكسل)، إذ أشارت إلى أن ظهور الدراسات عن الاسلام في أوروبا قد بدأ بالظهور مع تزايد موجات الهجرة في العقد الستيني والسبعيني من القرن الماضي، إذ لوحظ تزايد ظهور الجمعيات الاسلامية وازدياد عدد الجوامع، الأمر الذي أثار مخاوف الأوروبيين. وفي أعوام التسعينيات من ذلك القرن، ظهرت دراسات جديدة صنفت المهاجرين إلى ثلاثة أجيال وهي: جيل إسلام الآباء، الجيل الذي تأثر بالاخوان المسلمين، والثالث جيل إسلام الشباب، إذ عاشت هذه الأجيال مرحلتين: الأولى من بداية الهجرة حتى العام 1980، وعرف بـ (الإسلام في فرنسا)، ومع بدء عقد التسعينيات بات يسمى (إسلام فرنسا).
وبالطبع، فإن هذه الدراسة تمثل فقط واحدة من مئات، وربما آلاف، البحوث والدراسات التي صدرت في تلك البلدان لمعالجة أوضاع المهاجرين من البلدان العربية والاسلامية بمختلف أجيالهم، وكذلك دراسة أوضاعهم المعيشية والاجتماعية والسياسية والنفسية، كيما تحدد في ضوء ذلك سبل منع أثر الفكر المتطرف في تجنيد (جهاديين) منهم. 
ويرى عدد من الدارسين لأوضاع المهاجرين المسلمين، أن بعض أسباب تقبل الشباب منهم الفكرَ المتطرف، هي حالة الإقصاء والتهميش والغبن والظلم أحياناً، وهي أسباب، وإن وجدت في الجيل الأول والثاني، لكنها لم تجد من يحفزها ويوظفها كما ظهرت في الجيل الثالث بعد الانتشار الواسع للجمعيات الاسلامية والجوامع التي استغلت لتشكل إحدى أهم الحواضن لنشر الفكر المتطرف وتأثيره.
وتساوقاً مع هذا الاهتمام في الدول الأوروبية لمكافحة الفكر المتطرف، وإلى حد ما في بلداننا، نظّم (المركز الإقليمي لمكافحة الفكر المتطرف)، وهو منظمة مجتمع مدني عراقية، ورشة عمل مؤخراً، في بغداد، حاضر فيها كل من الأستاذين إبراهيم العبادي، رئيس القسم السياسي في (مركز النهرين للدراسات الاستراتيجية)، وكذلك رئيس (المركز الإقليمي لمكافحة الفكر المتطرف)، إذ تم طرح ومناقشة موضوعين مهمين هما: (لماذا ينتشر الفكر المتطرف في الجاليات العربية والاسلامية في البلدان الغربية؟)، والموضوع الثاني هو: (كيف تواجه الدول الأوروبية الفكر المتطرف المؤدي
 للارهاب؟). 
وقد ركزت الورشة على تسليط الضوء على أهمية النشاطات الفكرية للمؤسسات العلمية والثقافية والدينية لمكافحة الفكر المتطرف، وأوضاع الأجيال الاسلامية التي دخلت البلدان الأوروبية بدءاً من تسعينيات القرن الماضي وكانت الأكثر تأثّراً بهذا الفكر، وكذلك تجديد العوامل النفسية والاقتصادية والنزوع الذاتي نحو العنف وأسباب عدم الاندماج لهذه الأجيال مع المجتمعات الغربية، ثم اشكاليات الهوية الثقافية في تعامل (الأجانب) ومواطني البلدان التي يعيشون فيها معهم، وقد توصلت الورشة إلى عدد من التوصيات التي تفيد وتساهم في الحد من، أو القضاء، على الفكر المتطرف في العراق والبلدان الأوروبية، بما يحد، أو ينهي، أثره في تجنيد الشباب بالمنظمات الارهابية.