سمير النصيري*
إنَّ التطور الكبير والمتسارع في التقنيات المصرفية الحديثة والأنظمة والأجهزة والبرامج أدت إلى اتساع نطاق التطوير والتغيير وحدوث تحولات في الاقتصاد وسوق العمل والقطاعات الإنتاجية، إذ إنَّ التحول الرقمي واحدٌ من أهم دوافع ومحفزات النمو في الشركات الحكوميَّة والشركات الخاصة، وبالنظر لكون القطاع المصرفي هو الحلقة الأساس في الاقتصاد من خلال دوره التمويلي والاستثماري فإنَّ التحول الرقمي في هذا القطاع أصبح ضرورة ملحة.
مفهوم التحول الرقمي
هو الانتقال للقطاعات الإنتاجيَّة والماليَّة والمصرفيَّة الحكوميَّة والخاصة إلى أنموذج عمل يعتمد على التقنيات الرقميَّة في ابتكار الخدمات والمنتجات وتوفير قنوات جديدة من العائدات التي تزيد من قيمة منتجاتها وبكلف تشغيليَّة منخفضة.
وهناك جملة من متطلبات الانتقال إلى التحول الرقمي أهمها:
1 - بناء ستراتيجيات قصيرة المدى وطويلة المدى تتضمن دراسة الواقع الراهن للقطاع المصرفي الحكومي والخاص من حيث التقنيات المتاحة والأجهزة المتوفرة وقاعدة المعلومات للزبائن وقاعدة البيانات الماليَّة للمصرف والموارد البشريَّة المؤهلة.
2 - البنى التحيَّة ووسائل أمن المعلومات والاتصالات.
3 - الشراكة الستراتيجيَّة بين البنك المركزي والمصارف الحكوميَّة والمصارف الخاصة وشركات الدفع الإلكتروني والتقنيات الماليَّة ومزودي الخدمة وفقاً لما يأتي:
* العمل بشكلٍ مشترك يضم البنك البنك المركزي والمصارف وشركات التقنيات الماليَّة، من خلال مجلس أو لجنة عليا متخصصة.
* تأسيس شركة مستقلة تشارك فيها المصارف الحكوميَّة بنسبة ٢٠ بالمئة والقطاع الخاص ٨٠ بالمئة وتشمل شركات الدفع الإلكتروني وشركات الاتصالات وشركات تكنولوجيا المعلومات وتطوير البرمجيات وشركات الدفع الالكتروني.
تحديات التحول الرقمي
تشمل العمليات المعوقة للانتقال الى التحول الرقمي وأبرزها ما يلي:
1 - مخاطر التشغيل الالكتروني
٢‐ الوصول الى النظام المصرفي وسرقة الهويَّة الالكترونيَّة.
3 - تزوير بطاقة الائتمان.
4 - القرصنة الالكترونيَّة.
5 - حدوث خللٍ في شموليَّة النظام المصرفي أو من جراء أخطاء العملاء.
6 - تقليد برامج الحواسب الالكترونية أو تزوير معلومات مطابقة للبرامج.
7 - عدم التزام المصارف أو شركات التقنيات الماليَّة بالقواعد القانونيَّة والتشريعات أو عدم وجود قانونٍ ينظم عمليات التحول الرقمي.
التجربة العراقيَّة
بإصرارٍ وثقة عالية بقدرة الملاكات الماليَّة والفنيَّة العراقيَّة على تجاوز تحديات الفجوة التقنيَّة التي عانى منها العراق بسبب تداعيات الحصار والحروب وعدم الاستقرار خلال فترة الثورة المعلوماتيَّة، استطاع البنك المركزي والمصارف والشركات التقنيَّة المختصة أنْ تتجاوز التحديات التي وقفت عائقاً أمام التحول الرقمي للقطاع المصرفي والوقوف في الاتجاه الصحيح في أحلك الظروف الاقتصادية والأمنيَّة التي عانى منها بلدنا خلال السنوات الماضية ورسم خارطة طريق سليمة للحاق بالتطورات التقنيَّة في دول العالم.
إنَّ المتابع لوضع العراق خلال السنوات الخمس الماضية يلاحظ مدى الإيمان بالقدرات والكفاءات العراقيَّة على إحداث التغيير وسد الفجوة التقنية بيننا وبين العالم المتقدم، ويتضح ذلك بما تم تحقيقه من إنجازات مهمه وكما يلي:
1 – إنَّ المنهجيَّة التي تبناها البنك المركزي ونفذتها المصارف وشركات الدفع الالكتروني تركز بشكلٍ دائم على العمل تحت مظلة تشريعيَّة وتنظيميَّة وقانونيَّة سليمة، فضلاً عن تعزيز مفاهيم الحوكمة والمعايير القياسيَّة العالميَّة في ما يتعلق بتكنولوجيا المعلومات والتقنيات الماليَّة.
2 - إصدار نظام الدفع الالكتروني للأموال رقم 3 لسنة 2014 وتأسيس مجلس المدفوعات الوطني وضوابط الحوكمة والإدارة المؤسسيَّة لتقنية المعلومات والاتصالات واللوائح والتعليمات القانونية التي تنظم عمل المصارف ومزودي خدمات الدفع الإلكتروني.
3 - يمارس البنك المركزي دوراً محورياً في إنشاء بنى تحتيَّة متطورة وملاحقة لآخر التقنيات العالميَّة وتطوير أنظمة البنك المالية والمصرفية وأنظمة المدفوعات وشبكات الاتصالات المتقدمة وفقاً لأحدث التقنيات.
4 - امتلاك البنك المركزي والمصارف وشركات الدفع الالكتروني لأنظمة دفع متطورة، فضلاً عن بنى الدفع بالتجزئة وكان المقسم الوطني من أهم أجزائها.
5 - منح تراخيص عمل للكثير من مزودي خدمات الدفع الالكتروني (مصدرو بطاقات، محصلون، ومعالجة عمليات شركات الدفع بالهاتف النقال، وعارضو فواتير وبوابات الدفع عبر القنوات المختلفة).
6 - الاهتمام الواسع بتنفيذ الهدف الأول من ستراتيجيَّة البنك للسنوات (٢٠١٦ ‐ ٢٠٢٠). وهو تحقيق الاستقرار المالي من خلال نظام مالي سليم مع الاهتمام بتحقيق الشمول المالي وتقليل المخاطر، فضلاً عن تبني مشروع توطين رواتب الموظفين.
يتضح من الإنجازات أعلاه أنَّ البنك المركزي والقطاع المصرفي وشركات الدفع الالكتروني قد تجاوزوا تحديات الفجوة التقنيَّة بسبب الحصار والاحتلال والإرهاب وهو يسير اليوم بخطى ثابتة لتحقيق التحول الرقمي في القطاع المالي والمصرفي نحو تحقيق الاستقرار المالي والانتقال من مجتمع النقد إلى مجتمع اللانقد وهو أيضاً أحد أهداف المنهاج الحكومي في المحور الرابع (تقوية الاقتصاد).
الخطط المستقبليَّة
1 - تعزيز أنشطة البحث والتطوير لصناعة منتجات مصرفيَّة جديدة.
2 - تحسين أداء المصارف من خلال مدخلات جديدة مستندة الى تكنولوجيات حديثة، فضلاً عن استحداث أنماطٍ وسياسات تعتمدُ تقنيات مصرفيَّة حديثة سبقتنا دول العالم المتقدم إليها.
3 - بناء القدرات وتأهيل الموارد البشريَّة في مجال العلوم المصرفيَّة الحديثة والتكنولوجيا والابتكار بهدف تحقيق أهداف التنمية المستدامة.
4 - وضع الخطط والبرامج التي تهدفُ إلى تحويل المجتمع إلى مجتمع يتعامل بالنقد الى مجتمع اللانقد والى مجتمع معلوماتي، بحيث يتم إنتاج خططٍ وستراتيجيات التنمية الاقتصاديَّة والاجتماعيَّة مع العمل على تحقيق أهداف التنمية المستدامة.
5 - إعداد سياسات وستراتيجيات وطنيَّة منسجمة مع خطط السلطة النقديَّة في الإدارة والإشراف والرقابة وبالتنسيق مع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات.
* خبير مصرفي