التعطش للفرح

آراء 2020/02/12
...

د. حسين القاصد 
يحاول العراقيون، دائما، التشبث بأيّة  فرصة تحمل ملامح الفرح والأمل؛ فهم يحتشدون أمام شاشات التلفزيون إذا صادف أن هناك مباراة لكرة القدم، ويصل قلقهم على الفرح درجة الغليان، ولعلنا الشعب الوحيد الذي يخاف على ابتسامته، فحينما يضحك مبتهجا، سرعان ما تخفت ابتسامته ويتوجه بالدعاء ليقول: ( اللهمّ اجعلها ضحكة خير)! هكذا نحن منذ عشرات السنين، بل وجدنا آباءنا على ذلك.
في هذه الأيام صادف أنِ ابتسمت السماء ثلجاً، وهي المرة الأولى منذ أن فارقتنا برودة الطقس بعد قيام النظام السابق بتجفيف الأهوار ليصبح الصيف يشغل أكثر من نصف السنة بلهيبه وجمره.
حين هطلت الثلوج، اتفق العراقيون جميعا، وكأن منتخبهم الوطني سجل هدفاً! فلقد انتشرت ملامح الاحتفال بها على عكس ما يجري في أقرب الدول المجاورة، ومنها سورية، حيث يعاني الناس من موسم الثلوج وتعطيل الحياة.
لكن هطول الثلوج جعل بخار الفرح الأبيض يتصاعد من أنفاس العراقيين، وعاد التعاطف الشعبي، وغابت عن المشهد نوبات التراشق لا سيّما بين صفوف المتظاهرين، حيث عاد المواطن العراقي للشعور بمعاناة أخيه في القوات الأمنية والحشد الشعبي، وصموده في هذا البرد القارس، الذي تسبب باستشهاد أحد منتسبي الحشد الشعبي، إذ انتشرت صوره في التواصل الاجتماعي بوصفه الانموذج العراقي الثابت في مواجهته الأعداء مهما قست الظروف.
يفرح العراقيون بالمطر، مع أنه يتسبب بعرقلة وصولهم إلى أماكن عملهم بسبب عدم صلاحية الشوارع التي لم تصلها رحمة الصيانة والانعاش، ويفرح العراقيون في الأعياد الروتينية لكي يثبتوا أنّهم أهل للفرح والابتسامة، ولعلنا الشعب الوحيد الذي لا تفارقه الطرفة والابتسامة حتى في أقسى المحن.
الآن، وبعد أن ابتسمت السماء ثلجاً واتفق الجميع على الاحتفال بكرنفال البياض الصباحي الهاطل على وجوه وملابس الذاهبين إلى مدارسهم وأعمالهم، لا بدّ من أن ينتبه ساسة البلاد إلى حاجة الناس للفرح بعد أن أيبست ملامحهم هموم الانتظار. 
إنهم متعطشون جدا للفرح، فهل من سبيل لهم لكي يرتووا بابتسامة أمل بعراق يسوده الأمان والمحبة والاستقرار السياسي؟ سؤال نضعه على طاولة الساسة ونتمنى سرعة الإجابة والاستجابة، فليس من المعقول أن تبقى حياة الشعب مؤجلة بانتظار التوافقات
السياسية.