سلام مقابل لا شيء

آراء 2020/02/12
...

د. سحر حربي عبد الأمير
يعمل الإسرائيليون والدول الداعمة لها، أيا كانت تلك الدول، على تقديم عرض للعرب، في كل قرن، يهدفون من خلاله إلى تذويب القضية الفلسطينية وإشعار العرب بضعفهم أمام الكيان الصهيوني وجعل الكرامة العربية في طيّ النسيان، وجاء العرض في القرن الحادي والعشرين تحت تسمية (صفقة القرن)، التي حملت اسماً آخر أكثر جاذبية.
وكما قدّمه موقع البيت الأبيض الأميركي:
Peace To Prosperity /A Vision to Improve the Lives of the Palestinian and Israeli People
(سلام من أجل الازدهار/ رؤية لتحسين حياة الفلسطينيين و الشعب الإسرائيلي)إذ عبرت الصفقة عن رؤية الولايات المتحدة الأميركية و خطتها من أجل حلّ قضية فلسطين، التي عملت عليها من دون التشاور لا مع الفلسطينيين ولا مع الدول العربية. وتكونت الخطة من 181 صفحة توزعت على مقدمة و 22 فصلا. جاء في المقدمة تذكير العرب بالفساد المالي والإداري في دولهم، والإرهاب والأعداد الكبيرة من اللاجئين وضعف الأمم المتحدة، والتلميح والإشارة بأن هذه الخطة تعد امتدادا للورشة التي أُقيمت في البحرين، بدعوة منها، في شهر حزيران من العام 2019، وحملت الاسم نفسه (سلام من أجل الازدهار)، والتي شارك فيها كل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة و جمهورية مصر العربية والمملكة الأردنية الهاشمية والمملكة المغربية، وجاءت تلك الإشارة لغرض إحراج العرب وتوريطهم و جعلهم يرون الصفقة الحل الوحيد المتوفر والحقيقي للمشكلة الفلسطينية وبالتالي دفعهم للقبول بها.  
شملت الفصول موضوعات كثيرة، وقد عبرت بمجملها عن أربع ركائز أساسية: أولى تلك الركائز تمثلت بالشرح التفصيلي للمنافع الاقتصادية التي ستحصل عليها كل من فلسطين و مصر والأردن، في حال الموافقة على الخطة أو الصفقة، إذ أُرفقت بالخطة جداول كثيرة تضمنت أرقاما بالمنافع المادية والخدمات المدنية وخططا لمكافحة الفساد والبطالة، وبمنح تبلغ 50 مليار دولار، فالولايات المتحدة الأميركية و إسرائيل على اطلاع بالأزمات الاقتصادية التي يعاني منها الفلسطينيون والدول العربية المجاورة لفلسطين. الركيزة الثانية تهدف إلى نسف العمق التاريخي للوجود العربي في القدس وفلسطين و ترسيخ القصص الإسرائيلية التاريخية عن الوجود اليهودي في فلسطين، وتقترح الخطة على العرب والفلسطينيين اختيار أي مكان في منطقة تقع (خلف الأسوار الأمنية للأحياء العربية في القدس) لتكون قدسا بديلا لهم (ويمكن تسميته بالقدس أو أيّ اسم آخر)، وتبقى القدس للإسرائيليين، ويمكن للعرب أن يزورنها كسياح، أو يعملوا فيها مرشدين سياحيين في الأماكن المقدسة مثل مكان الإسراء والمعراج، بعد موافقة السلطات الإسرائيلية وإشرافها. الركيزة الثالثة تمثلت بإلغاء مفهوم السيادة ووصف السيادة بأنها مصطلح (لا لزوم له)، ودعوة الفلسطينيين بقبول دولتهم المستقبلية من دون سلاح و من دون رقعة جغرافية متصلة أو ثابته واستبدال الأراضي التي احتلها الكيان الصهيوني العام 1967، بممرات فوق الأرض أو تحتها و تكون الممرات تحت سيطرة الإدارة الإسرائيلية. الركيزة الرابعة، ترسيخ صورة إسرائيل على أنها ضحية الارهاب الفلسطيني وأنها( تعاني وتواجه أعداءً يدعون لها بالهلاك) لتسويغ كل شيء قامت أو ستقوم به إسرائيل مستقبلا.
والغريب، أنّه على الرغم من كل ذلك، تضمنت الخطة جملا كثيرة عبرت عن كل ذلك لا يجعل إسرائيل في أمان حتى لو اعترفت كل الدول العربية بها.
الذي يقرأ الخطة بتمعن يشعر بالاستعلاء الذي تتعامل به الخطة مع الفلسطينيين، وفي الوقت نفسه بمدى الخوف الذي تعيشه إسرائيل من أولئك الفلسطينيين على الرغم من كل القوة التي تحصّن بها نفسها و وجود كل الحلفاء الأقوياء الساعين لإرضائها،
 ذلك الخوف الذي لا يغادر اللصوص مها كانت قوتهم ومهما طال أمد
انتصارهم.