سعد العبيدي
عندما شعر الجمهور المؤيد لعبد الكريم قاسم، المناصر لموقفه، أنه، وفي يوم 9 شباط، بات محصوراً داخل بناية وزارة الدفاع، وقد تخلى عنه بعض قادته وانحازوا إلى الطرف الآخر، إمّا انتهازا، وإمّا رغبة في تفادي الموت على أيدي انقلابيين جدد، وخانه آمرو سرايا حراس ثكنته العسكرية، سعياً منهم لركوب موجة الانقلاب، وأملا في الحصول على مواقع في العربة التي تسير سريعاً باتجاه جديد. في هذا الموقف الصعب الذي لم يحسد عليه الزعيم الذي كان في الأمس يتغنى باسمه الجمهور، ويؤدي له القادة قسم الولاء والطاعة، طالبه المؤيدون له والداعمون لثورته أن يفتح لهم مخازن السلاح، ليستخدموه ضد البعثيين الذين نزلوا إلى الشوارع مسلحين بقصد تصفية القادة والآمرين المحسوبين على عبد الكريم، والحيلولة دون نجاحهم في الاستيلاء على مقر الوزارة وإنهاء حكم عبد الكريم. لكن الرجل لم يوافق في حينه، ورفض المقترح بشكل قاطع إيماناً منه بالمسؤولية الاعتبارية لإدارة الدولة التي تحتم عليه النظر الى الجمهور المؤيد له والمعارض لخطواته، جمهور ينتمي الى شعب واحد ومسؤوليته أن يحافظ على سلامته، ويجنبه شرور الاقتتال والمذابح التي يمكن أن تنتج عنه. رفض عبد الكريم الطلب وتوجه يائساً الى أعدائه، سلم نفسه، عارفاً بمصيره، راضيا بالنتيجة التي جنبت الشعب مجازر كادت تحصل بسبب نزول السلاح الى الشارع وامتلاكه من أناس لا ينتمون الى أجهزة الدولة ولا يمكنهم التقيد بأوامر الدولة في استخدامه.
لو أجازت لنا مناهج التاريخ المقارنة بين موقف عبد الكريم وبين رؤسائنا بعد العام 2003، في موضوع السلاح، ونترك، مؤقتاً، بعضا من احتجاجاتنا على ثورته، وتحميلها قدراً من مسؤولية الخراب الذي أصاب البلاد منذ العام 1958 حتى اليوم، سنرى وبوضوح أن أغلب الرؤساء ما بعد عام التغيير، لم يعيروا اهتماما لموضوع السلاح، بل بعضهم استخدمه ضد خصومه وكذلك لأغراض تقوية جدران حكمه المتهرئة، وبعضهم أسس مليشيات ودعم مسلحين لأغراض الاستقواء بها على خصوم له لم يكونوا يهددون حياته كما هدد الانقلابيون حياة عبد الكريم.
إن السلاح خارج أطر الأجهزة الأمنية، لا يمكن السيطرة عليه حتى من قادة أصحابه، ولا يمكن الاطمئنان الى وجوده وطريقة استخدامه، وكان هذا واضحاً في سوح التظاهرات التي نهج أصحابها في العموم نهجاً مسالماً، ونهج أصحاب السلاح نهجاً مبطناً في استخدامه بالضد منهم. شباب عراقيون وقفت مع سلميتهم مؤسسات الدولة والمرجعية والأمم المتحدة، لكنهم لم يستطيعوا جميعاً الحيلولة دون ذبحهم في النجف الأشرف والناصرية وكربلاء والحلة، الأمر الذي يؤشر أن مسؤولينا الجدد لم ينظروا الى الشعب واحداً ولم يتحملوا مسؤولية حماية شبابه من حاملي السلاح الساعين الى فرض إراداتهم الخاصة بقوته الغاشمة، ويؤشر أن استقرار العراق يتوقف على تقييد هذا السلاح.