عبد الزهرة محمد الهنداوي
إذا استعرضنا اكبر موانئ العالم التي تبدأ بميناء "سنغافورة" "وشنغهاي"، وتنتهي، بميناء "ناغويا" الياباني، سوف لا نجد بينها، وهي التي يتجاوز عددها الخمسين، أيّ اسم لميناء عراقي، وهذا ليس بالأمر المستغرب، إذ ما زالت منافذنا الحدودية، وفي مقدمتها البحرية (الموانئ) والجوية (المطارات) وحتى البرية، دون مستوى الطموح، لذلك ، ما زال أمامنا شوط طويل لكي تدخل موانئنا ومطاراتنا ضمن السجلات العالمية،
بوصفها الأكبر والأوسع والأفضل، إلى آخر صفات التفضيلات الأخرى.
ممّا لا شك فيه أنّ الموانئ تشكل أولوية أولى ضمن سلّم الاهتمامات العالمية، لما تمثله من أهمية اقتصادية، نتيجة رخص النقل البحري، وتميّزه بنسبة الأمان العالية، على عكس النقل الجوي عالي الكلفة ، والنقل البري الذي غالبا ما يكون عرضة للمخاطر الجسيمة، وهنا يأتي السؤال الجوهري: هل نحن قادرون على حرق تلك الأشواط والمسافات بيننا وبين دول العالم الأخرى التي لديها موانئ، لا سيّما مع وجود عدد من الموانئ المهمة التي يتمتع بها العراق ضمن حدوده الجنوبية، منها ميناء أم قصر وأبو فلوس والفاو الكبير وغيرها؟
أقول: نعم، بالإمكان أن نحقق مثل هذا الهدف الاقتصادي الاستثنائي، وهنا أتحدث عن مشروع ميناء الفاو الكبير، هذا المشروع الذي بدأ العمل على تطويره منذ العام ٢٠٠٧. ولكن، ثمة تحديات كبيرة واجهت إكمال المشروع، لا ترتبط فقط بقلة التخصيصات المالية، إنما كانت هناك تحديات أخرى منها وجود ألغام متروكة من حربي ١٩٨٠-١٩٨٨، و١٩٩١، ولكن ضرورة أن يمتلك العراق ميناءً على البحر المفتوح، ضمن قناة "خور عبد الله" يعد أمراً في غاية الأهمية، وقد مرّ المشروع بمراحل متعددة، منها إنشاء كاسِرَي الأمواج الشرقي والغربي، وقد استغرقت الاجراءات وقتا طويلا امتدت من العام ٢٠٠٧ لغاية العام المنصرم ٢٠١٩، الذي شهد انعطافة مهمة في مجريات العمل في مشروع ميناء الفاو الكبير، من خلال تخصيص مالي مناسب، وتوقيع عدد من العقود المهمة مع شركات عالمية كبيرة لتنفيذ السدّاد الخاصة بموقع وخدمات الميناء، وكذلك السداد الصخرية لأرصفة الحاويات وإنشاء طرق مدخل الميناء وغيرها من الخطوات والاجراءات المهمة، تتعلق بأرصفة الحاويات وإقامة إنفاق وتعبيد الطرق المرتبطة بالميناء.
مثل هذه المعطيات المهمة، تؤكد بوضوح أننا أمام مشروع عملاق، يمتد على مساحة ٥٤ كم، فضلا عن كونه يعد أول ميناء عراقي يجري تنفيذه في البحر المفتوح بنحو غير تقليدي ينبغي التعامل معه بنحو مختلف، لأنه في نهاية المطاف، إذا ما أخذنا بنظر الاعتبار حجم الميناء، وضخامة مكوناته ومكملاته التي تمتدّ إلى إنشاء شبكة سككية بطول ١٠٠ كم، تربط الميناء بالشبكة الوطنية، وإنشاء طرق سريعة، ومطار أيضا، وقاعدة بحرية، وإذا أخذنا بعين الاعتبار، وصول الميناء إلى مرحلته النهائية التي تتضمن إنشاء ٤٦ رصيفًا للحاويات و١٦ عشر رصيفًا آخر للبضائع الفل، و٢٠ رصيفًا للبضائع العامة، وأرصفة أخرى للمشتقات النفطية، وغير ذلك من التفاصيل المهمة، يمكن أن نستنتج من خلالها أن ميناء الفاو الكبير سيكون واحدا من بين أكبر عشرة موانئ عالمية، ليس من بينها ميناء عربي، ولنا أن نتصور حجم ومقدار الأثر الاقتصادي لميناء عالمي في هذا الموقع المرموق، بالتأكيد انه سيحول العراق إلى مركز اقتصادي دولي يشكل أهمية استثنائية لكل بلدان العالم، ولهذا فإن تلك البلدان ستكون حريصة كل الحرص على استقرار المنطقة وإبعادها عن أيّ صراعات أو نزاعات إقليمية أو دولية، لأنها باتت تمثل ممّرا أساسيا للبضائع المتبادلة بين الشرق والغرب، ومثل هذه الحركة الاقتصادية لن تقتصر على محيط الميناء، أو محافظة البصرة وحسب، إنما هنالك الكثير من القطاعات الاقتصادية المهمة، ستتحرك بقوة وسيؤدي ذلك إلى توفير ملايين فرص العمل المباشرة وغير المباشرة، وسيفتح آفاقا واسعة للتنافس الاستثماري العالمي في جميع أرجاء العراق.
وهنا لا أتحدث عن خيال علمي، أو أحلام عصافير، إنما هي حقائق شاخصة في المشهد، فأمامنا أقل من أربع سنوات للوصول إلى هذا الذي نتحدث عنه، شريطة توفير متطلبات إنجاز المشروع، وفي مقدمتها التخصيصات المالية، فالبنى التحتية تحتاج إلى مايقارب الـ (٣) مليارات دولار لإنجاز البنى التحتية، ونحو ملياري دولار، لتنفيذ عقود جديدة، ولعل الحديث عن هكذا مبالغ، ضمن مدة زمنية محددة، وشحة واضحة في الموارد، يبدو من الصعب توفيرها، لذلك أقول إن بالإمكان الاستثمار في الاتفاق العراقي - الصيني، وإعطاء الأولوية لمشروع ميناء الفاو، وإنجازه في موعده المحدد، لإحداث تلك النقلة الاقتصادية الكبيرة في الاقتصاد
العراقي.