مخاوف الديمقراطيين من خسارة انتخابات 2020

بانوراما 2020/02/12
...

دانيال شتراوس
ترجمة: شيماء ميران
تتخلل مخاوف الحزب الديمقراطي الأميركي من انتخابات تمهيدية شرسة ومطولة مواجهة بين المرشحين، ومن نفاد الأموال، والفشل بجذب الناخبين المتأرجحين قد يكلفهم خسارة الانتخابات، في حين لدى “دونالد ترامب” خزين تنافسي ضخم وحملة رقمية عدائية واسعة، فخلال السنوات الثلاث لدورته الرئاسية أظهر الاقتصاد الأميركي مرونة عنيدة بالحفاظ على انخفاض مستوى البطالة وارتفاع أسهم الاوراق المالية. يأتي هذا الشعور العام للديمقراطيين استنادا إلى المقابلات الصحفية التي أجريت مع أكثر من عشر شخصيات حزبية كبيرة، منهم رؤساء بلديات وحكّام ولايات سابقين، وخبراء ستراتيجيين خلال شهر الصخب في الانتخابات التمهيدية الديمقراطية المؤدية إلى التجمعات السياسية في ولاية أيوا.
أظهر الاستطلاع الأخير تقدم السيناتور “بيرني ساندرز” في ولاية أيوا، ما أغضب قادة جناح الوسط للحزب الديمقراطي الذين كانوا يأملون بمرشح يحقق فوزا مبكرا كنائب الرئيس السابق جو بايدن أو حتى العمدة السابق لساوث بند بولاية انديانا الشاب “بيت بوتيج”.
رغم تقلص عدد المرشحين الآن، لكن الديمقراطيين يتوقعون انتخابات مطولة يتنافس فيها المتسابقون المتصدرون والممولون، ورفض المرشحون لفترة طويلة الانسحاب منها، ما يزيد من الانقسام بالتصويت ويترك آثارا تدوم حتى الانتخابات العامة.
حذر الخبير الستراتيجي الديمقراطي “سكوت ارسينو”: “اعتقد أنه سيكون صراع انتخابي مطول، أمامنا أسابيع وربّما شهور لنخوض انتخاباتنا التمهيدية، ولن نلوم الناخبين المتأرجحين مثلا في خليج تامبا”.
رغم هذا عبّر خبراء ستراتيجيون ومشرعون مخضرمون، من الطيف السياسي للحزب الديمقراطي، عن ثقتهم الكبيرة بأن فرصة خلع ترامب عن الرئاسة لا تزال سانحة.
يؤكد مستشار كبير لمرشح ديمقراطي سابق: “أهم شيء للذين يقرؤون الخروج هو أننا قد نخسر هذه الانتخابات”.
 
الأموال وحملة ترامب
هناك عدة أسباب تدفع الديمقراطيين للقلق حيال مبالغ التمويل، فقد ارتفع تمويل ترامب إلى أكثر من مئة مليون دولار مع عدم وجود معارضة حقيقية فاعلة في الانتخابات التمهيدية الجمهورية.
يوضح المستشار الديمقراطي “براندون هال”: “اعتقد أن من لا يقلق بشأن المال مجنون. “ترامب” يجلس الآن على مئة مليون دولار ونحن لم نقترب بعد من تسمية المرشح، وسيتمكنون من جمع الأموال. أمّا نحن فما زلنا منقسمين للغاية، وهذا يقلقني ولا أعرف كيف أنه لا يُقلق أحدا، سنحاول دائما اللحاق بالأموال”.
ويناقش آخرون مسألة قدرة الديمقراطيين على جمع أموال تنافسية، ومتى يكونون قادرين على ذلك؟ فبعد انتخابات تمهيدية مضنية سيتمكن “ترامب” من صرف الأموال استعدادا للمرشح الجديد، محذرا عمدة شيكاغو السابق “رام ايمانويل”، ما يدفع ذلك المرشح للبدء فورا بجمع التبرعات مرة أخرى للحاق بصندوق تنافس “ترامب” المكتنز.
لقد كان أساس حملة إعادة انتخاب “ترامب” هو الحملة الرقمية الواسعة، إذ كشف تحليل لصحيفة الغارديان أنها قد أنفقت عشرين مليون دولار على أكثر من 218 ألف إعلان في الفيس بوك دوّنها الديمقراطيون.
تُبيّن الباحثة الستراتيجية الديموقراطية “جنيفر هولدزوورث”: “تُعد حملة “ترامب” من الناحية الرقمية ذكية وخطرة وهي كذلك، واعتقد أننا نلعب بأسلوبين مختلفين في ذلك المسار المحدد للستراتيجية، وهو ما لا نستفيق منه حتى اجتيازنا الانتخابات التمهيدية وهم متقدمون كثيرا من حيث التواصل، ما يوجب علينا اللحاق بالركب، لذلك على الديمقراطيين الإسراع بالإجماع على مرشح نهائي أمّا قبل المؤتمر أو بعده مباشرة وإلّا لن نتمكن من اللحاق”.
بحسب المقاييس التقليدية التي دائما تتحكم بفرص إعادة انتخاب شاغل المنصب، يُنظر لـ”ترامب” أنه لا يُهزم، فخلال إدارته حافظت البطالة على معدلها المنخفض، وتمكنت القوات الخاصة الأميركية من قتل زعيم داعش “أبي بكر البغدادي”، وسيطر الديمقراطيون على مجلس واحد في الكونغرس، لذا فإن مقبوليته داخل الحزب الجمهوري لا تزال مرتفعة جدا. لكن شخصيته مثيرة للجدل.
 
دعوة الناخبين المتأرجحين
يشير الديمقراطيون لمكاسبهم في ضواحي البلاد وتغلبهم على سبعة حُكّام في انتخابات التجديد النصفي العام 2018، ويرونها دليلا على قدرتهم التنافسية في مناطق البلاد ذات الميول الجمهورية، كما يأمل خبراؤهم الستراتيجيون بأن يؤدي الاعياء من الازمات الوطنية التي تبدو يومية الى تردد المعتدلين وتأرجح الناخبين في التصويت لخلع “ترامب”.
إن أكثر مصدر يُقلق الديمقراطيين هو الجانب التقليدي لأي دورة رئاسية، إذ يهاجم المرشحون بعضهم بعضا خلال اشهر الانتخابات التمهيدية، فبعد اشهر من الحملات المتسمة بالاحترام نسبيا ظهرت العدائية قبل اول تصويت في مدينة أيوا الاسبوع الماضي.
 
نفاد الأموال .. والوساطة
تقول المؤسس المشارك لمنظمة اكرنوم السياسية “تارا مكجوان”: “يتمتع ترامب بأفضلية لا تصدق كونه شاغلا للمنصب، وأدار حملة انتخابية فاعلة على الانترنت وخارجه منذ تنصيبه، فكلما أسرعنا بتقديم مرشح وتمكنا من توحيد الأموال والزخم والنشاط حوله، كلما تقلصت أفضليته في التنافس”.
لقد تبادل نائب الرئيس السابق “جو بايدن” والسيناتور “بيرين ساندرز” الضربات في ما يخص الضمان الاجتماعي ومقبولية الانتخاب، امّا “بوتجيج” فلم يكن بارعا في عكس شبابه وحداثته مع منافسيه المخضرمين في السياسة منذ سنوات. وتحول التوافق بين ساندرز والسيناتورة “اليزابيث وارين” في أحد أشد الحوارات سخونة الى تنافس شديد، عندما قالت وارين إن “ساندرز” أخبرها خلال لقاء مغلق بأن المرأة لن تتمكن من الفوز في انتخابات
2020.
يملك المرشحون الأربعة الكبار صناديق تنافسية ثقيلة تسمح لهم بالاستمرار في حملاتهم الانتخابية ومواجهة بعضهم بعضا حتى انتخابات 2020. 
يقول تيري ماك أوليف: “ما يقلقني كثيرا هو اذا لم نغلق هذا الترشيح ونسمح بالمضي قدما وصولا للمؤتمر، قد يصعُب الامر اكثر، فينبغي ان ننشئ حملة ميدانية في جميع هذه الولايات ونوظف عاملين يديرونها”. 
امّا حاكم كاليفورنيا الاسبق “جيري براون” يقول: “الاستنزاف ليس في ما يملكه ترامب من تمويل كبير، بل بإنفاق الديمقراطيين لكل ما يملكونه”.
 يتذمر كبار قادة الحزب فعلا من احتمالية عدم وجود مرشح الفوز الحاسم خلال الانتخابات التمهيدية، وان يكون هناك مؤتمر وساطة يُنتخب فيه مرشح من فصائله المتنافسة، ما يدفع الناخبين الناقمين لعدم المشاركة في الانتخابات العامة، والاعتماد على الشخصية التي ستبرز فائزة.
تقول الستراتيجية الديمقراطية “إيمي شابمان”: “أنا معنية بالمرشحين الذين قد لا يفوزون، فقد يُحجم ناخبوهم عن المشاركة”. يؤكد المدير التنفيذي السابق للحزب الديمقراطي في نيوجيرسي “هولدز وورث”: “لقد رأينا العام 2016 الضرر الهائل والتاثير الوخيم للمؤتمر في ترشيح “هيلاري”، واحتمالية تفاقم ذلك هذه
المرة”.
كان الخوف المستمر خلال فترة الانتخابات الديمقراطية التمهيدية هو اختيار مرشح قادر على الاستمرار، إذ كانت الانتخابات مليئة بمناظرات ايديولوجية وسياسية حول قضايا الرعاية الطبية للجميع والهجرة واتفاقية البيئة الجديدة، وما اذا كانت هناك شخصية قيادية شابة او مخضرمة تستطيع هزم ترامب. 
لكن كل ذلك يتفوق على مخاوف بعض قادة الاحزاب من ترشيح الديمقراطيين لمرشح لا يتمكن من جذب الناخبين المتأرجحين، وبدأ المعتدلون منهم مناقشة احتمالية فوز ساندرز بالترشيح الذي قد يقضي على حظوظهم، وشرعت حملة “بوتجيج” مؤخرا بإرسال اعلانات لجمع تبرعات تحت عنوانات مثل (بيرين ساندرز قد يكون المرشح).
وهي وجهة نظر عارضها مؤيدو “ساندرز”، الذين يؤكدون فشل منافسة المرشح المعتدل في هزم “ترامب” العام 2016، وان حملة المرشح النهائي تحتاج قاعدة فاعلة للتغلب على مشجعي الرئيس. وعند بروز “ساندرز” الى الواجهة في ساحتي أيوا ونيوهامبشير، بدأ الديمقراطيون يقلقون من عدم وجود اي مرشح معتدل يمكن ان يهزمه.  
 
الرعاية الصحية
من الموضوعات البارزة في الانتخابات الديمقراطية التمهيدية هي الرعاية الصحية. ومع بداية انتخابات 2020 يبدو ان اي مرشح لا يدعم الرعاية الطبية للجميع لن يقاوم اكثر من اسبوع، رغم ذلك اكد بعض المرشحين الرئيسيين ان المقترح قد يُبعد بعض الناخبين الحاسمين عن الانتخابات العامة. 
تقول المديرة التنفيذية للجنة العمل السياسي في سيرف اميركا “ماري هارف”: “اعتقد أن بعض الناخبين ينظرون الى الرعاية الطبية للجميع ويقولون انا لا ادعم تلك الخطة لكن على الاقل الديمقراطيون يحاولون التفكير بافكار مهمة حول كيفية إصلاح الخلل، وفي النهاية فإن النظام سيجعله برنامجا اكثر اعتدالا، واعتقد ان خيار الرعاية الطبية للجميع ليس مسوغا لبعض الناخبين في الانتخابات العامة”.
اشار باحث ستراتيجي مخضرم الى اسئلة حول موقف “وارين” من الرعاية الصحية والطبية للجميع قوله: “اعتقد المشكلة هي موقف “وارين”، وأي مرشح يخسر النظام الصحي امام “ترامب” هو مشكلة. واظن ان الكثير مما تعرضت له يمكن اصلاحه، لكن مع “بيرن” لا يمكن اصلاحه وليس له رغبة في تصحيحه”.
يوضح رئيس منظمة الاولويات الاميركية سوبر باك “غاي سيسل” قلق المشككين من ان الرعاية الطبية للجميع قد تستغرق وقتا اطول وتمويلا اكثر لكسبهم ضمن الخطة، ويقول: “اعتقد ان المؤيدين يرونها فرصة للانفاق ايضا، وهناك تقدير محدد لمدى قرب مجلس الشيوخ، وفرص تجاوز الرعاية الطبية للجميع التي غالبا ما تكون موجودة من دون تغيير سياسي مهم او بعض المفاجآت الضخمة في مجلس الشيوخ الاميركي. لذا المقلق هو المخاطرة بالكثير من الناخبين الذين يحتاجون تفسيرا لسبب سحب تأمينك الخاص، والآن يمكنك كسب تلك الوساطة لكنها تكلف الكثير من الاموال
والتركيز”.
حضّرت منظمة الاولويات حملات اعلانية واعمالا اخرى في حالة دعم المرشح الديمقراطي الرعاية الطبية للجميع او خطة رعاية صحية اخرى مختلفة. حتى الآن، لا يزال الديمقراطيون المعتدلون مرتابين من خياراتهم في الجناح الوسطي للحزب الذي يدعو الى تغيير اقل شمولية للرعاية الصحية، في الوقت الذي يشير كبير مستشاري احد مرشحي 2020 السابقين الى صغر سن “بوتجيج” وقلة خبرته.