أقرّت منظمة الأمم المتحدة الثالث عشر من شهر شباط يوماً عالمياً سنوياً للإذاعة المسموعة، لغرض الاحتفاء بهذه الوسيلة الإعلامية الفعالة التي لعبت دوراً مهماً، طوال سنوات القرن الماضي، في المجالات السياسية والثقافية والمعرفية، وأسهمت في توعية المجتمعات وتغييرها وتنميتها، وقد كان العراق من الدول الرائدة في الشرق الأوسط في استخدام الإذاعة منذ العام 1936، وتوظيفها لخدمة المجتمع وتطويره. تواجه الإذاعة، الآن، تحدياً تقنياً مصيرياً في ظل الإعلام الرقمي الشبكي، وتُطرح، على المستوى الدولي، تساؤلات حول قدرتها على الاستمرارية وسط منافسة التلفزيون والإنترنيت في البيئة الألكترونية الجديدة!
خلال أكثر من مئة عام من انتشار البث الإذاعي، تراكمت تجارب غنية حول استخدام الإذاعة ودورها التنويري الذي جعل الصوت البشري والإصطناعي وسيلة في الثقافة الشعبوية، وكسر حواجز الرقابة والجغرافية، وكانت الإذاعة مرتبطة، منذ البداية، بقوة السلطة، وهي تمثل رمز الدولة وصوتها الرسمي في مخاطبة الجمهور وتحريك الرأي العام، وقد اعتمدت أغلب الحركات الثورية والانقلابات السياسية على الخطاب الإذاعي في توصيل بيانات الثوار وفرض رؤيتهم الفكرية وهيمنتهم على المجتمع!. اليوم تعيد الأمم المتحدة التذكير بدور الإذاعة في تنمية الحوار ودعم النظام الديمقراطي وزيادة الوعي والتنوع الاجتماعي والاستفادة من خصائصها التي جعلت منها وسيلة الإعلام الأكثر وصولاً إلى الجمهور، في كل أنحاء العالم، فهي تعد وسيلة تواصل واتصال قوية وواطئة الكلفة، وسهلة الاستخدام عبر جهاز المذياع (الراديو) التقليدي أو في السيارة أو أجهزة الهاتف الذكية، والإذاعة مناسبة للوصول إلى المجتمعات النائية والفئات الضعيفة، مثل الأميين وذوي الإعاقة والنساء والشباب والفقراء، وهي تتيح، في الوقت ذاته، منبراً للمشاركة في النقاش العام، بغض النظر عن المستوى التعليمي للناس، فضلاَ عن ذلك، تضطلع الإذاعة بدور كبير وخاص في التواصل في حالات الطوارئ وتقديم الإغاثة في حالات الكوارث.
هناك تغييرات في الخدمات الإذاعية في الوقت الحاضر الذي يشهد نوعاً من التقارب والاندماج بين وسائل الإعلام، حيث أصبحت تعتمد على استخدام الوسائل التكنولوجية من مثل تقنيات النطاق العريض والموجات الدقيقة (FM) والهواتف النقالة والأجهزة اللوحية والبث الشبكي الرقمي والفضائي. لم تزل الإذاعة الوسيلة الأكثر وصولاً وتفاعلاً ومشاركة، حيث تكيفت مع التغيرات التقنية الهائلة التي طرأت في القرن الحادي والعشرين، وأتاحت سبلاً جديدة للتفاعل والمشاركة بين الناس، وسيظل للإذاعة دورها في لم شمل المجتمعات وتعزيز الحوار الإيجابي من أجل التغيير والتنمية، وبالاستماع إلى أصوت الجماهير والاستجابة لاحتياجاتهم، تتيح الإذاعة تنوعاً ضرورياً في الآراء والأصوات للتصدي للتحديات التي توجهها المجتمعات الإنسانية.
في اليوم العالمي للإذاعة، دعت اليونسكو المحطات الإذاعية إلى دعم التنوع، سواء في غرف الأخبار والبرامج أو على موجات البث ومحتواها، فالإذاعة هي وسيلة قوية تعكس التفاعل بين المجتمعات البشرية بكل تنوعها وتشكل منصة للخطاب الديمقراطي على المستوى العالمي، وتظل الإذاعة الوسيلة الأكثر استخداماً على نطاق واسع بما تملكه من هذه القدرة الفريدة للوصول إلى أكبر عدد ممكن من الجمهور، وإن الإذاعة يمكن أن تبلور تجربة المجتمع في التنوع، وتكون منبراً لجميع الأصوات للتحدث والتمثيل والاستماع، و يجب أن تخدم المحطات الإذاعية شرائح المجتمع المتنوعة، وتقدم مجموعة واسعة من البرامج ووجهات النظر والمحتوى المعرفي والثقافي، كما تعكس كذلك تنوع الجماهير في مؤسساتها و مجالات عملها.