بروجيكت سينديكيت: العالمُ مقبلٌ على موجة ديون رابعة

اقتصادية 2020/02/14
...

عواصم / وكالات
 
وسط تحذير البنك الدولي من موجة ديون هائلة تتصاعد في جميع أنحاء العالم، لا يبدو واضحاً من سيكون الأكثر تضرراً. وإذا لم تتصرف الدول الأكثر عرضة لبطش موجة الديون، من المملكة المتحدة إلى الهند في أقرب وقت، فقد تواجه أضرارًا اقتصادية شديدة، بحسب "كيوشيك باسيو" الاقتصادي السابق في البنك الدولي عبر تحليل نشره "بروجيكت سينديكيت".
وعلى مدار العقد الماضي، شهد الاقتصاد العالمي تراكماً مستمراً للديون لتبلغ الآن 230 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، مع حقيقة أنَّ موجات الديون الثلاث الأخيرة قد تسببت في ركود اقتصادي كبير في جميع أنحاء العالم.
 
ماض كارثي 
كانت موجة الديون الأولى في أوائل الثمانينيات، إذ إنَّه بعد 10 سنوات من تكاليف الاقتراض المنخفضة والتي مكنت الحكومات من توسيع موازناتها العمومية إلى حدٍ كبير، بدأت معدلات الفائدة في الارتفاع، ما جعل خدمة الديون غير مستدامة على نحو متزايد.
وكانت المكسيك الضحية الأولى، اذ أبلغت الحكومة الأميركيَّة وصندوق النقد الدولي في العام 1982 أنه لم يعد بإمكانها سداد ديونها.
وكان لهذا تأثير الدومينو، حيث قامت 16 دولة من أميركا اللاتينية و11 دولة من أقل الدول نمواً خارج المنطقة بإعادة جدولة ديونها في نهاية المطاف.
وفي التسعينيات، كانت معدلات الفائدة منخفضة مرة أخرى، ليرتفع الدين العالمي مجدداً.
وجاء الانهيار في العام 1997، عندما شهدت اقتصادات شرق آسيا سريعة النمو السريعة التأثر مالياً - بما في ذلك إندونيسيا وماليزيا وكوريا الجنوبية وتايلاند - تباطؤاً حادًا في النمو وانخفضت أسعار عملاتها، ومن ثم تمددت آثار ذلك لجميع أنحاء العالم.
ولكنْ ليست الاقتصادات الناشئة وحدها عرضة لمثل هذه الانهيارات، وهو ما أثبتته أزمة الرهن العقاري في الولايات المتحدة عام 2008.
وبحلول الوقت الذي اكتشف فيه الجميع ماذا تعني أزمة الرهن العقاري، كان بنك الاستثمار الأميركي "ليمان براذرز" قد انهار، ما تسبب في حدوث أسوأ الأزمات والركود منذ الكساد العظيم.
 
الموجة الرابعة
وحذر البنك الدولي مؤخراً من أنَّ موجة الديون الرابعة قد تتجاوز في وقتها الثلاث موجات الأولى، إذ إنَّ الاقتصادات الناشئة التي بلغت نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي فيها مستوى قياسي عند 170 بالمئة أصبحت معرضة للخطر بشكل خاص.
وكما في الحالات السابقة، تتزايد أزمة الديون بسبب انخفاض معدلات الفائدة، في حين سيبدأ القلق بمجرد أنْ تبدأ الفائدة في الارتفاع.
والحقيقة أنَّ آليات مثل هذه الأزمات ليست مفهومة جيداً، لكنَّ بحثاً أجراه "ستيفن موريس" و"هاون سونج شين" في العام 1998 بشأن الأصول الغامضة لأزمات العملة، وكيفية انتقالها إلى الاقتصادات الأخرى، يظهر أنَّ "تسونامي مالياً" يمكن أنْ يجعل الوضع يتجاوز مصدر الأزمة.
وتم توضيح كيف يمكن أنْ يتلاشى مصدر الأزمة المالية في القصة القصيرة المبهجة "رنام كرتفا" للكاتب الهندي الشهير "شيبرام تشاكرابورتي"، وفيها، يطلب "شيبرام" اليائس من صديق قديم في المدرسة "هارشا" أنْ يقرضه 500 روبية (7 دولارات) يوم الأربعاء مع وعد بتسديد المبلع يوم السبت التالي.
لكنَّ "شيبرام" يهدر المال، لذلك عندما يأتي يوم السبت لا يكون أمامه خيار سوى مطالبة صديق آخر في المدرسة "جوبار" بقرض قيمته 500 روبية، لتسديده يوم الأربعاء القادم.
ويستخدم "شيبرام" المال لسداد ديونه لـ"هارشا"، لكنْ عندما يأتي يوم الأربعاء لا يكون لديه أي طريقة لسداد دين "جوبار"، لذلك يقوم يتذكير "هارشا" أنه سدد ديونه في موعدها وبالتالي يقترض منه مرة أخرى.
ويصبح هذا أمرًا معتادًا مع اقتراض "شيبرام" مرارًا من صديق لسداد ديونه للآخر، ثم يصطدم "شيبرام" بكل من هارشا" و"جوبار" يومًا ما.
وبعد لحظة من القلق، يقترح "شيبرام" فكرة هي كل يوم أربعاء يجب على "هارشا" إعطاء "جوبار" 500 روبية، وفي كل يوم سبت يجب على الأخير إعطاء المبلغ ذاته للأول.
ويؤكد "شيبرام" لأصدقائه السابقين في المدرسة أنَّ هذا سيوفر عليه الكثير من الوقت ولا يغير شيئًا بالنسبة لهم، ويختفي في حشود مدينة "كولكاتا" في الهند.
 
أنموذجا الأزمة
إذن من هم "هارشا" و"جوبار" المحتملان في موجة ديون اليوم؟ وفقًا للبنك الدولي، يمكن أنْ يكونوا أي دولة فيها نقاط ضعف محليَّة وموازنة عموميَّة مالية كبيرة وسكان مثقلون بالديون.
وهناك العديد من الدول التي تناسب هذا الوصف وتواجه خطر أنْ تصبح القناة التي تحمل موجة الديون الرابعة للاقتصاد العالمي.
ومن بين الاقتصاديات المتقدمة، تعد المملكة المتحدة مرشحًا واضحًا، إذ تجنبت بريطانيا في العام 2019 بالكاد الركود الاقتصادي لتسجل أضعف وتيرة نمو في أي فترة لم تشهد ركوداً منذ العام 1945.
كما وعد المحافظون في بريطانيا بحدوث زيادات كبيرة في الاستثمارات التجارية، وهذا غير مرجح، لكنْ بدلاً من ذلك ربما ستكون موجة ديون.
وبين الاقتصادات الناشئة، الهند فهي عرضة للخطر بشكل خاص، إذ إنه في الثمانينيات من القرن الماضي كان الاقتصاد الهندي محمياً إلى حد ما، وبالتالي لم يكن لموجة الديون في ذلك الوقت تأثير يذكر. وفي وقت أزمة شرق آسيا في العام 1997، كانت الهند قد بدأت للتو الانفتاح وبالتالي شهدت بعض التباطؤ في النمو.
وبحلول وقت موجة الديون في العام 2008، كانت البلاد قد أصبحت متكاملة عالمياً وتأثرت بشدة، لكن اقتصادها كان قويًا وينمو بمعدل 10 بالمئة تقريبًا سنويًا، واسترد عافيته خلال عام. ولكن يواجه اقتصاد الهند اليوم واحدة من أعمق الأزمات خلال الثلاثين عاماً الماضية، مع تباطؤ النمو بشكلٍ حاد والبطالة عند أعلى مستوى خلال 45 عاماً وعدم وجود نمو تقريباً للصادرات على مدى السنوات الست الماضية وتراجع نصيب الفرد من الاستهلاك في القطاع الزراعي على مدى السنوات الخمس
الماضية.