القاضي / كاظم عبد جاسم الزيدي
لا شك أن العملة لها أهمية كبيرة باعتبارها الأداةَ الرئيسة للتعامل ممّا يستدعي توفر الثقة الكاملة بعملة الدولة، وقد دعا تأمين الثقة بالعملة إلى أن تحتكر الدولة لنفسها الحق في إصدار عملتها، ولذلك كانت وما زالت جرائم تزييف العملة، ومنذ العصور التي عرفت فيها النقود، من الجرائم الخطيرة الماسّة بالسمعة المالية للدولة لذلك كانت التشريعات القديمة تفرض عليها أشد العقوبات، ونجد أن المشرّع العراقي عاقب على هذه الجرائم باعتبارها من الجنايات. وتكتسب هذه الجريمة خطورتها من عدة نواحٍ؛
فهي اعتداء على سيادة الدولة وعلى حقها في سك العملة لكونها تزعزع الثقة بالعملة الرسمية، وهذا يؤدي حتماً إلى انخفاض قيمة العملة الرسمية المتداولة، ما ينعكس، بالضرورة على السندات والأوراق المالية التي تصدرها الدولة، كما أنَّ خطر هذه الجريمة يمتد ليشمل الأفراد الأبرياء الذين تقع بأيديهم العملة المزيفة، ما يدفعهم إلى التخلص منها عن طريق التعامل بها ممّا تتسع معه دائرة الجريمة لتشمل فئة أكبر من الأفراد، وقد عاقب قانون العقوبات العراقي، رقم 111 لسنة 1969، المعدل، في المادة (306)، بالحبس مدة لا تزيد على سنة، أو بغرامة كل من لم يقبل عملة وطنية صحيحة متداولة قانونا بقيمتها الاسمية، معدنية كانت أو ورقيَّة، وتعدُّ الجرائم الخاصة بالعملة من الجرائم المخلّة بالثقة العامة والجرائم التي تتعلق بالعملة الوطنية نص عليها المشرّع العراقي، في المواد (280 - 281)، من قانون العقوبات العراقي، وهي التقليد والتزييف والتزوير والإدخال إلى العراق والحيازة بقصد الترويج والتعامل وإعادة التعامل بعملة معدنية أو أوراق نقدية بطُل التعامل بها، ويشترط المشرّع العراقي لحصول جريمة تقليد أو تزييف أو تزوير العملة أن يكون الفعل منصبّا على عملة متداولة قانونا أو عرفا في العراق أو في دولة أخرى، والقصد بالتداول القانوني عندما يكون الافراد ملزمين بقبولها في التعامل، وبعبارة أخرى أن التداول القانوني هو إلزام القانون الأفرادَ بقبول عملة الدولة في معاملاتهم، أي أن تداول العملة أصبح إجباريا ليس متروكا لخيار الفرد إن شاء قبلها، وله حق رفض التعامل بها وأن جرائم تزييف العملة تتضمن كل مظاهر الاعتداء على الثقة العامة وأن العقوبة الأساسية في جرائم التزييف هي السجن وكذلك قام المشرع العراقي بفرض عقوبة السجن مدة لا تزيد على سبع سنوات على كل من صنع أو حاز مسكة نقود أو مقراضاً أو آلات أو أدوات أو أشياء أخرى، ما يستعمل في تقليد أو تزييف أو تزوير العملة ورقية كانت أو معدنيَّة وأوراق النقد أو السندات المالية، ولقد جاءت المواد (283 - 284 - 285) من قانون العقوبات بعقوبات مخففة على كل من روج أو أعاد التعامل عمله بطل التعامل بها وهو على بينة من أمرها وكل من قبض بحسن نية عملة معدنية أو ورقية غير صحيحة مزيفة أو مزورة أو مقلدة. أما بالنسبة إلى حالات الإعفاء من العقاب لغرض تشجيع الجناة إلى العودة إلى الطريق السليم و عدم الاستمرار في الجريمة إلى نهايتها فقد نصت المادة (303) من قانون العقوبات على أن يعفى من العقوبة من ارتكب جريمة من جرائم تقليد أو تزوير الأختام و السندات أو الطوابع أو تزييف العملة و تزوير أوراق النقد والسندات المالية وتزوير المحررات الرسمية اذا اخبر السلطات العامة قبل إتمامها وقبل قيام السلطات بالبحث والاستقصاء عن مرتكبيها وان حماية العملة الوطنية هي حماية الثقة العامة باعتبار ان القانون لا يحمي الأشياء لذاتها و إنما علاقتها بالإنسان وتشكل جرائم التزييف بالنهاية ضرب سلامة العملة وصحتها والعبث بها وتعريضها لخطر في فقدان دورها، ما يؤدي إلى زعزعة الثقة الماليَّة العامة المبنية على الحالة النفسية الشعورية لدى الأفراد والجماعات والى نشر التدهور والاضطراب في المعاملات المالية والأسواق التجارية والمؤسسات المصرفية والى قيام فوضى وارتباك نتيجة اختلاط العملة المزورة بالعملة الصحيحة ومن ثم فإنَّ تزييف العملة يزعزع ثقة الجميع في صحة العملة ومن الناحية القانونية فإنَّ العملة تشكل السيادة النقديَّة في كل دولة جزءاً من السيادة الوطنية وتكتسب العملة الوطنية مكانتها ومتانتها من الحماية الدستورية والقانونية لها ونجد أنَّ المشرع العراقي تتبع مرتكبي جرائم تزييف العملة خارج حدود الدولة، ومهما كان مرتكبها وذلك استثناءً من المبدأ الإقليمي للاختصاص العيني بوصفها من الجرائم التي تمس المصالح الأساسية للدولة.