أميركا.. مرونة في إيجاد وظائف وعجزٌ متنامٍ في الدَّين العام!

اقتصادية 2020/02/15
...

واشنطن / نافع الناجي
 
 يعدّ الاقتصاد الأميركي واحداً من أغرب اقتصاديات العالم وفيه تناقضات جمّة، فمن جهة يبرهن هذا الاقتصاد على حيوية مدهشة عبر النمو والتحسن المستمرين في إيجاد المزيد من الوظائف وفرص العمل متجاوزاً نسب البطالة المرتفعة طيلة نصف قرن، فضلاً عن نمو الانفاق الاستهلاكي للشعب الاميركي الذي يعد علامة صحة وتعافي الاقتصاد الأول في العالم، لكنه من جهة أخرى يثير علامات التساؤل والحيرة بسبب تنامي الدَّين الوطني العام والعجز الفاضح في المديونية الذي سيتجاوز ترليون دولار سنوياً طيلة الأعوام الـ (11) المقبلة، بحسب خبراء.
نمو الوظائف
أعلنت وزارة العمل الأميركية أن الاقتصاد الأميركي أضاف عددا أكبر ممّا كان متوقعا من الوظائف (غير الزراعية) خلال شهر كانون الثاني  من العام الجديد، متأثرا خصوصا بقطاعي البناء والصحة.
وذكر بيان للوزارة، أنه تم إستحداث 225 ألف وظيفة في الشهر الأول من العام 2020، بزيادة كبيرة عمّا كان المحللون يتوقعونه وهو 164 ألف وظيفة فقط.
ويمثل هذا العدد زيادة كبيرة أيضا من عدد الوظائف التي استحدثت في الاقتصاد الأميركي خلال شهر كانون الأول من العام المنصرم، التي بلغت 147 ألفا بعد مراجعة وتحديث الأرقام.
وارتفع معدل البطالة 0.1 نقطة إلى 3.6 بالمئة، لكن هذا قد لا يفسر أو (يتناقض) مع دخول أكثر من 183 ألف شخص إضافيين إلى سوق العمل. وهذا مؤشر مهم يرمز إلى حيوية الاقتصاد.
 
أرقام قياسية 
ولعل من الطبيعي أن تثير هذه المعطيات ارتياح وفخر الرئيس الأميركي دونالد ترامب خلال حملته للحصول على ولاية رئاسية ثانية، والذي راهن على نجاح الاقتصاد خلال أول ثلاث سنوات من إدارته البيت الأبيض وتسجيله أرقاما قياسية، ولا سيّما في خفض البطالة وتقدم أسواق الأسهم، إذ سادت الثقة بورصة وول ستريت ونما مؤشرها "داو جونز" بنحو 55 بالمئة منذ انتخاب ترامب في تشرين الثاني 2016.
وكان ترامب قد أكد في خطابه عن حال الاتحاد، خلال الأسبوع الماضي، بعد تبرئته في الكونغرس، أن "الوظائف تشهد انتعاشا والأجور ترتفع". وفي الواقع، بقدر ما تحسنت بيئة سوق العمل الأميركي وشغلت كل الوظائف، فإنَّ بعض الشركات بدأت بتوظيف أشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة أو محكومين في القضاء، ومن المعلوم أن هؤلاء كانوا في الماضي مستبعدين من سوق العمل ولم يكن يتم احتسابهم في الاحصاءات 
المعلنة.
وبلغت نسبة المساهمة في سوق العمل في كانون الثاني 63.4 بالمئة، بزيادة 0.2 نقطة خلال شهر. وفي ما يتعلق بالتفاصيل الخاصة بالقطاعات، استفاد مجال البناء الذي أضيفت إليه 44 ألف وظيفة، من أحوال جوية أفضل نسبيا في كانون الثاني. فعادة ما تثبط الثلوج الغزيرة وانخفاض درجات الحرارة الشديد، النشاط. وفي هذا المجال قالت وزارة العمل الأميركية إن الوظائف التي استحدثت تتوزع بالتساوي بين الأبنية السكنية وغير السكنيَّة. 
وكان الاقتصاد الأميركي قد استحدث خلال العامين 2018 و2019، ما معدله 193 ألف وظيفة كل شهر و175 ألف وظيفة على التوالي، مقابل 225 ألف وظيفة عام 2015، و195 ألفا عام 2016. كما تراجعت نسبة البطالة إلى أدنى مستوى لها خلال 50 عاما إلى 3.6 بالمئة مقابل 4.7 بالمئة في كانون الاول 2016.
 
خفض الضرائب
ولعل الاجراء الأبرز خلال ولاية الرئيس دونالد ترامب، تمثل في التعديل الضريبي الذي اعتمده بنهاية 2017، وكان أهم تعديل من نوعه خلال الثلاثين عاماً الماضية، مع خفض الضريبة على دخول الأكثر ثراء والشركات من 35 إلى 21 بالمئة.
وبشكل أو بآخر، فقد حفزت هذه الاجراءات بالتأكيد النمو في 2018، لكنها أدت أيضا إلى تضخم الدين الوطني وعجز الميزانية الذي يتوقع أن يبلغ بنهاية السنة المالية في أيلول  المقبل، 1015 مليار دولار، بحسب أجهزة الميزانية في الكونغرس. كما يتوقع أن تبلغ نسبة الدين العام 81 بالمئة من الناتج الإجمالي في العام الحالي 2020.
بيد أن إدارة البيت البيضاوي بقيادة ترامب، تفكر في إجراء خفض آخر للضرائب على الطبقات الوسطى، وهي وسيلة تبدو حيوية لتحفيز النمو.
 
الدَّين العام
تشير التحليلات الى أن الدين الوطني للولايات المتحدة سيرتفع إلى 98 % من الناتج المحلي الإجمالي بحلول العام 2030، وسيتجاوز العجز ما يقارب التريليون دولار سنويًا لمدة 11 عامًا على الأقل، وستنفق الحكومة أكثر من 1 تريليون دولار عمّا تجمعه في العام 2020 وسوف يتجاوز العجز هذا المبلغ كل عام في المستقبل
 المنظور.
وكحصة من الناتج المحلي الإجمالي سيكون العجز 4.3 % على الأقل كل عام حتى العام 2030، وسيكون ذلك أطول فترة من العجز في الميزانية تتجاوز 4 % من الناتج المحلي الإجمالي على مدار القرن الماضي وستشكل الديون التي يحتفظ بها الجمهور 81 % من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام ومن المتوقع أن تصل إلى 98 % بحلول 
العام 2030.