معلّم يرعى أبناء المناطق المحررة من {داعش»

بانوراما 2020/02/16
...

مات ناشد

ترجمة: بهاء سلمان
كان عبد الخالق مستعدا للموت من أجل الحصول على سيكارة، بالرغم من معرفة هذا المربي القديم أن المتعة البسيطة من استنشاق التبغ ونفث دخانه تحمل معها حكما بالاعدام في بلدة الطبقة التابعة لمحافظة الرقة السورية، فقد كانت تلك المنطقة خاضعة لحكم "داعش" الاجرامية.
بين أوقات تدخينه للسكائر مساء، كان عبد الخالق (41 عاما) ينشغل بنشاط أكثر خطورة، فبعد غروب الشمس، كان يعطي درسا كاملا للغة الانكليزية من المنهج الحكومي لصبيين اثنين داخل منزله. وخلال السنوات الثلاثة التي حكم بها "داعش" الطبقة، لغاية آيار 2017، هرب عشرات الفتيان بغية أداء امتحانات دخول الجماعة في أماكن أخرى من البلاد؛ وغامر عبد الخالق بحياته لضمان استعداد طلبته بشكل جيد.يقول المدرّس العتيد: "اعطاء درس خصوصي بمثابة كفر بنظر الدواعش". مغادرة الرقة بلا موافقة كانت تمثل الجرم نفسه، وتم قطع رؤوس بعض طلبته لمحاولتهم فعل ذلك. كان عبد الخالق، الرجل الناعم الصوت بلحية سوداء قصيرة، مدركا احتمال تعرضه هو أيضا للقتل في أية لحظة، وعاش أسير خوف دائم، حتى تم تحرير بلدته بشكل نهائي على يد قوات سوريا الديمقراطية (قسد) الكردية بغطاء جوي أميركي. وبعد شهر من التحرير، أسس عبد الخالق وخمسة نشطاء آخرين منظمة ’أمل أفضل للطبقة‘.
بعد تحرير الرقة، وبدعم من وزارة الخارجية الأميركية بمبلغ مليون ونصف مليون دولار، باشرت المنظمة ترميم 14 مدرسة في مدن الرقة. وأشرف عبد الخالق لاحقا على افتتاح مركز تعليمي في الطبقة، واحتضن مئات الأطفال المصابين خلال فترة الحرب. وانحصر السماح فقط للأطفال من المعاقين جسديا بالحضور الى المركز سنة 2018. آنذاك، أعادت قسد افتتاح المدارس الرسمية ووجهت الأهالي بارسال ابنائهم. لم يحتج المربي القدير على القرار، لكنه خشي من رؤية قسد لمنظمته كسلطة منافسة.
 
أطفال معاقون
مع ذلك، سجل نحو 120 طفلا لدى مركز عبد الخالق، الذي أرسل للمجلة صورة لأحد طلبته، فتى بعمر 14 سنة اسمه حسين، كان رافعا يده للاجابة على أحد الأسئلة، لكن يده لم تكن موجودة، إذ فقد كلتا يديه عندما لمس لغما أرضيا. لقد وجد أطفال مثل حسين مكانا آمنا داخل المركز، إذ تتراوح أعمارهم بين ست وعشر سنين، يتعلمون القراءة والكتابة صباحا، قبل أن يأتي من هم أكبر سنا من المراهقين بعد الظهر.
صمم عبد الخالق المنهج لتوفير الدعم النفسي، فالأطفال مصابون بصدمات عميقة؛ وهذا يتضح بشكل كبير من خلال رسوماتهم، فصور الجثث والأسلحة والقنابل شائعة. لكن بعد أسابيع من الحصص الدراسية، بدأ بعض الأطفال برسم الحيوانات والأقارب والأصدقاء. ويعوّل المعلّم العطوف على التقدم عبر اقناع الأهالي أن التعليم أمر مهم للغاية. ومع كفاح غالبية سكان شمال شرق سوريا لكسب لقمة العيش، يتغيّب غالبية الأطفال لمساعدة آباهم. "ربما يتوقف الأطفال عن القدوم لبعض الأسباب، لكننا غالبا ما ننجح باعادتهم للمركز،" يقول عبد الخالق، مؤكدا أيضا عدم تعرّض طلبته للدعاية السياسية، وهو أمر نادر تحت ظل توظيف التعليم لغسل أدمغة الأطفال. وخلال فترة حكم "داعش" القصيرة والوحشية، تم تلقين الفتيان ليصيروا أرهابيين مستقبلا؛ وأرغم الكثير منهم على ارتكاب جرائم لا توصف.
 
ابتكار المناهج
الآن فقط يمكن لبعض الأطفال استعادة بعض مظاهر الطفولة. ويزور عبد الخالق وفريقه معسكرات النزوح الداخلية شمال شرقي سوريا مرتين شهريا للعب مع الأطفال. ونجح بتقديم منهج آخر صمم لتعليم اللغتين العربية والانكليزية لمئتي طفل نازح يعيشون داخل خيم تقع خارج الطبقة. ويعد المنهاج عمودا فقريا لمشروع أمده سنة تنتهي خلال شباط 2021.
يتذكّر المدرّس الوفي كيف كانت الحياة لطيفة قبل الحرب. ففي العام 2005، بدأ بتعليم أطفال الروضة، وسرعان ما أعلنت الحكومة أنه أحد أفضل معلمي سوريا. تزوّج بعدها وصار لديه ثلاثة أطفال؛ لكن ذات ليلة في شباط 2016، مرضت ابنته الوسطى، هالة، إذ استيقظت ترتجف وتتعرق بأثر البرد. هرع الوالد بابنته الى العيادة، لكن جميع الأطباء فروا بعد اجتياح "داعش" للرقة؛ وبعد ليلتين، دفن عبد الخالق ابنته التي لم تتجاوز الخامسة من العمر، ويعلق على موت الطفلة: "أنا ألقي باللوم على زعيم "داعش" أبوبكر البغدادي، فهو لم يدعنا نفر كي نصل لطبيب ما."
أخذ عبد الخالق على نفسه عهدا بمساعدة أكبر عدد يمكنه من الأطفال، ويوقره طلابه السابقون لعطفه الكبير عليهم وحسن خلقه وتفانيه في شرح مفردات الدرس، ومدحه كذلك زميله مهند الأحمد، وهو صديق قديم له وأحد مؤسسي المنظمة: "لديه قلب رائع، لكن باستطاعته فعل الكثير جدا اذا ما أخذنا الظروف السائدة بعين الاعتبار."
مجلة اوزي الأميركية