هل تستطيع الدبلوماسية إيقاف الحرب الليبية؟

بانوراما 2020/02/16
...

ترجمة: خالد قاسم
في الصراع الذي تشهده ليبيا، وهي دولة ذات أهمية ستراتيجية كبيرة لأوروبا، تضع كل من روسيا وتركيا والامارات الأجندة؛ مراهنة على الحل العسكري، أفلاتزال هناك فرصة أمام الحل الدبلوماسي؟تتكون ليبيا من صحراء بالكامل تقريبا، وتقفز درجات الحرارة عادة فوق 50 مئوية ولم تشهد بعض أجزاء البلاد هطول أمطار منذ عشرات السنين، ولا تتجاوز الأراضي الخصبة للزراعة نسبة واحد بالمئة. ولم تمتلك البلاد حكومة فعليا حتى في أيام معمر القذافي، اذ حكمت القبائل والمليشيات والشيوخ دائما. 
مع ذلك تتقاتل القوى العالمية الكبرى على ليبيا، وتشتعل حرب أهلية هناك منذ سنوات وتحولت الى حرب بالوكالة تشمل دولا كثيرة مثل روسيا ومصر وتركيا والسعودية والامارات وقطر وايطاليا وفرنسا. 
وتحول الليبيون الى مشاهدين لمواجهة حاسمة داخل حدودهم، اذ يقاتل مرتزقة سودانيون ضد مرتزقة سوريين ويحمل كلاهما السلاح دفاعا عن مصالح دول أجنبية.
هذا ما حفز المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل لدعوة عدد من زعماء العالم الى برلين لعقد قمة، وكان الهدف الأعلى للقمة هو انهاء الحرب والذي تتجاوز أهميته حدود ليبيا. وتبرز مكانة البلاد بعامل احتياطيات النفط والغاز التي تأتي بالمرتبة التاسعة عالميا بحدود 48 مليار برميل، وتنشط شركتا إيني الايطالية وتوتال الفرنسية هناك.
العامل الثاني لأهمية ليبيا هو موقعها الجغرافي الذي يعد ممرا حيويا للمهاجرين الى أوروبا، ولا يوجد بلد آخر في شمال افريقيا شهد مرور مهاجرين أكثر من ليبيا خلال السنوات الأخيرة، وأياً كان من يسيطر على البلاد فهو سيتحكم أيضا بتدفقات الهجرة في افريقيا.
العامل الثالث هو أن المنطقة تعد معقلا للارهاب الدولي، اذ ما زال مسلحو داعش يمتلكون ملاذات آمنة داخل ليبيا وينتفعون من الصراع هناك.
 
حاكما ليبيا
بعد سقوط القذافي عام 2011 تطلع الليبيون لبناء الديمقراطية والازدهار، لكن بلادهم تدهورت وتمزقت الى مدن مستقلة عن بعضها البعض إذ تتنافس المليشيات والقبائل والمتطرفون على الزعامة. ونصبت الأمم المتحدة في طرابلس فايز السراج رئيسا للوزراء، وهو مهندس معماري سابق ويتمتع بالنزاهة لكنه لا يستطيع الامساك بالسلطة الّا بمساعدة المليشيات. أما في الشرق فقد أسس خليفة حفتر نظاما عسكريا وقواته "الجيش الوطني الليبي" وهو اتحاد مرتزقة وسلفيين وضباط سابقين بجيش القذافي، واحتل مناطق واسعة من البلاد مثل سرت مسقط رأس
 القذافي.
تقدمت قوات حفتر نحو طرابلس منذ نيسان 2019 واتفق مع السراج مؤخرا على وقف اطلاق نار مؤقت بمساعدة تركيا وروسيا، بانتظار التوصل لاتفاق سلام دائم غير واضح المعالم.
تعتمد محصلة الحرب على الرعاة الأجانب أكثر من الليبيين أنفسهم، اذ تدعم تركيا وقطر السراج ويقال أن لديه علاقات وثيقة مع الإخوان المسلمين. أما روسيا والسعودية ومصر والامارات فتقف مع حفتر الذي يزعم معاداة الاسلاميين. ويبدو أن برلين غير منخرطة بالشأن الليبي، لكن نفوذها يعيق الآخرين، فقررت استغلال لقاء برلين لصالحها وتقديم نفسها وسيطا صادقا.
 
داعمون أقوياء
بدا تحقيق السلام في ليبيا ممكنا جدا عند منتصف كانون الثاني بدون الأوروبيين، اذ كان الرئيسان الروسي بوتين والتركي إردوغان على وشك ايجاد حل للصراع بمفردهما في موسكو بعد دعوة حفتر والسراج الى قمة هناك على أمل ايجاد الحل.
عزز بوتين وإردوغان مؤخرا دعمهما لجانبي القتال، اذ يقاتل مرتزقة من "فاغنر غروب" وهي منظمة شبه عسكرية روسية خاصة الى جانب حفتر، أما الرئيس التركي فاحتاج اسبوعين فقط لتثبيت بصمته في ليبيا.
نال اردوغان تفويض برلمان بلاده مطلع العام الحالي لتنفيذ مهمة عسكرية في ليبيا، وبعد ثلاثة أيام أرسل طلائع جنوده لمساعدة السراج، ونشرت تركيا نحو ألفي مرتزق من "الجيش السوري الحر"، ما يجعل اردوغان لاعبا أساسيا في النزاع.يبدو أن اردوغان وبوتين يبحثان بالشأن الليبي عن تكرار ما فعلاه في سوريا، أي الدفع باتجاه حل يخدمهما مع جهد عسكري صغير نسبيا. لكن حفتر رفض سحب قواته من ضواحي طرابلس وغادر موسكو مما أثار غضب بوتين.يعود ذلك الى وجود داعمين أقوياء آخرين لحفتر الى جانب روسيا، وأهمهم ولي عهد الامارات محمد بن زايد، الذي يسند حفتر بطائرات مسيرة قتالية صينية ومقاتلات، ومنحه قاعدة عسكرية. وطالما امتلك حفتر تأييد بن زايد فلن يحتاج أي شخص آخر، فرجل الإمارات القوي، وفقا لخبراء، هو اللاعب الرئيس في النزاع الليبي. أما الاتحاد الأوروبي فيعجز عن الحل بسبب تفككه الداخلي، ففرنسا تؤيد حفتر، في ما تدعم ايطاليا ومعظم دول الاتحاد السراج.
 
الشقاق الأوروبي
الصراع الفرنسي الايطالي اقتصادي بالدرجة الأولى، فشركة إيني الايطالية للطاقة هي أكبر منتج أجنبي للنفط والغاز في ليبيا وتستحوذ على نحو نصف السوق. وتمتلك أيضا نصف حصص الأنبوب الليبي الوحيد لتصدير الغاز الطبيعي ويدعى "غرينستريم" وينقل الغاز من غرب ليبيا الى صقلية. وأكبر منافسي إيني هي مجموعة توتال الفرنسية وحصلت مؤخرا على حصص بحقل نفط الواحة قرب مدينة سرت.
اهتم الفرنسيون بالارهاب أيضا ولذلك احتاجوا حفتر، فمنذ آب 2014 يحاول ثلاثة آلاف جندي فرنسي في مالي وقف تدفق الارهابيين عبر ليبيا. أما الايطاليون فيعملون لتحقيق الهدف نفسه بالتعاون مع مليشيات ليبية ضمن المناطق الخاضعة لحكومة السراج لمنع المهاجرين من العبور الى ايطاليا. لكن الاتحاد عاجز حتى الآن عن انجاز مهمته لفرض حظر السلاح على ليبيا، فلم يجرؤ الاتحاد على اجراء تفتيش شامل لأية سفينة مشتبه بحملها أسلحة، بل علّق عملية "صوفيا" في البحر المتوسط التي كان هدفها تحييد عمل المهربين قبالة ساحل ليبيا.
يعد هذا التردد الأوروبي وسط نزاع لدى أقرب جيرانه أمرا خطيرا، وما هي الّا مسألة وقت قبل وصول الموجة الكبيرة التالية من اللاجئين عبر الشواطئ الليبية الى ايطاليا. 
 
الرجل القوي
بسبب تقدم حفتر، يزداد عدد اللاجئين المبحرين من ليبيا مجددا، فخلال أول أسبوعين من العام الحالي اعترض خفتر السواحل الليبي نحو ألف لاجئ مقارنة مع 900 خلال سنة 2019 بأكملها. يقول فينسنت كوشيتيل المبعوث الخاص لوكالة اللاجئين في لأمم المتحدة أن منظمته ترى زيادة كبيرة بعدد اللاجئين، ويضيف أن الليبيين يغادرون بلادهم بالقوارب وهو أمر جديد.من الواضح أيضا النفوذ الضعيف للسراج الذي يراهن عليه الأوروبيون، ويتحدث كوشيتيل عن تراجع نفوذ وزارة الداخلية الليبية على المليشيات المسيطرة على معسكرات احتجاز المهاجرين، وبما أن حكومة السراج تقاتل لتنجو بنفسها فالتعامل الانساني مع المهاجرين لم يعد أولوية لها، وقال شهود عيان عدة: إن مليشيات السراج تجبر المهاجرين على القتال معها.
في الوقت نفسه، صار حفتر أقوى من أي وقت مضى وهذا لن يجعله أو مؤيديه راغبين بالتوصل الى حل وسط. 
من جهة ثانية، يقول وزير الخارجية الايطالي لويجي دي مايو أن هناك حاجة لقوات حفظ سلام أوروبية، وتغطي مهمتها الأرض والبحر والجو لمراقبة التقيد بأي اتفاق للسلام. وأضاف أن بلاده مستعدة لتوفير قوات كجزء من البعثة الأوروبية، لكنه حذر حفتر من تصعيد القتال، وذكر أن الجنرال حتى اذا احتل طرابلس بالحرب قد تتحول الى حرب شوارع وحمّام دم في المدينة، "فلا يستطيع حفتر السيطرة على مدينة ذات ثلاثة ملايين نسمة بألف مقاتل فقط، وهو يعرف ذلك، وهذا ما تعرفه كل الأطراف الدولية التي تحدثت معها حتى التي تدعمه." لا يتمنى الأوروبيون حدوث ذلك، ويبدو أن كثيرأ منهم يجدون صعوبة في ادراك أن الحرب الليبية قد تحسم عسكريا، بدون أي عمل دبلوماسي وبدون مساعدة منهم.
هيئة تحرير مجلة دير شبيغل