الصين .. سور العالم العظيم

آراء 2020/02/16
...

 حمزة مصطفى
قبل أكثر من ألفي عام بنت الصين سورا أطلق  عليه "سور الصين العظيم" وتم تصنيفه كأحد عجائب الدنيا السبع. فكرة بناء هذا السور دفاعية بحتة ضد هجمات العالم الخارجي الافتراضية وربما الواقعية. تحول في ما بعد إلى أحد معالم هذا البلد، الذي يضم نحو ربع البشرية "ما يقرب من ملياري نسمة"، السياحية وحتى السياسية من الناحية الرمزية. فعلى مرّ العصور لم تفارق رمزية هذا السور فكرة حماية الصين من أعدائها الواقعيين والمحتملين على الرغم كل التحولات التي مرت بهذا البلد القاري الكبير الذي يقع على مجموعة كبيرة من البحار والمحيطات. ومع أن الصين اختارت العزلة بدءاً من فكرة بناء السور حتى بعد اعتناقها العقيدة الشيوعية وتطور هذه العقيدة على عهد ماوتسي تونغ إلى شبه انغلاق كامل عما يحيط بها في العالم الخارجي، لكن انعقاد المؤتمر الثالث عشر للحزب الشيوعي الصيني العام 1987 كان فرصة فريدة من نوعها باتجاه تغيير وجه الصين العالمي وتوجهاتها الاقتصادية قبل الأيديولوجية. عقب التحولات الهائلة التي حدثت في الاقتصاد الصيني الذي تحول إلى ثاني أهم اقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة الأميركية، باتت الصين اليوم كلها بمثابة أنموذجا عالميا مدهشا بل أعجوبة لا يمكن اختزالها بسورها العظيم.
تجلت الأعجوبة الصينية الثامنة بقصة فايروس كورونا الجديد الذي بات يفتك بالصينيين يوميا وبالعشرات وبمئات الإصابات، بحيث تحولت الصين من حاضنة لهذا المرض الفتاك إلى درع بشري هائل لحماية بقية أنحاء العالم من انتشاره. صحيح أن كل إجراءات الصين الدفاعية والهجومية معا ضد هذا المرض الذي أعلنته منظمة الصحة العالمية وباءً عالميا تهدف في النهاية إلى الدفاع عن سمعة هذا البلد واقتصاده الذي بدأ يغزو العالم فضلا عن منافسته لأهم اقتصاد رأسمالي عالمي هو الاقتصاد الأميركي، لكن السؤال الخطير الذي يتبادر إلى الأذهان هو: ماذا لو كان بلدا آخر غير الصين بؤرة هذا المرض وحاضنته؟ ولكي نكون موضوعيين فنقول ماذا لو كان بلدا من بلدان العالم الثالث أو حتى بعض بلدان العالم الذي بات يصنف على إنه متقدم حاضنة هذا المرض؟ هل كان يمكن أن تحصل كل هذه الإجراءات الحازمة والفعالة مثلما جرى ويجري في الصين؟ بل حتى الولايات المتحدة الأميركية نفسها وهي البلد الأول المنافس للصين في العالم اقتصادا وسياسة هل تستطيع بناء مستشفى متكامل في نحو 7 أيام؟
هل بمقدور دول كاملة بمن فيها دول أوربية فضلا عن نمور آسيا التي قفزت خلال العقدين الأخيرين بوصفها نماذج يحتذى بها أن تعزل مدنا بكاملها منعا لانتشار المرض مثلما فعلت ولا تزال تفعل الصين؟ أيّة دولة بالعالم بل أي شعب عظيم بالعالم يقاوم مثل هذه المقاومة العجيبة الغريبة أحد أكثر الأمراض الفتاكة في هذا العصر دون أن يرف لها جفن؟ ولا بد في النهاية من طرح سؤال خبيث سخيف لا معنى له، ماذا لو ظهر لا سامح الله عشر معشار هذا الفايروس في دول الموز والبطيخ  والباذنجان والنومي حامض.