لا تقتصر منافع توطين رواتب الموظفين على حيازة البطاقة الذكيَّة التي يمكن من خلالها تجنب عمليات نقل النقود، والتمتع بخدمات الشراء من المراكز والمحال التجارية من دون التعامل بالنقود الورقيَّة، فضلاً عن إمكانيَّة السحب النقدي من خلال أجهزة الصرف الآلي، بل تتعدد هذه المنافع بالنسبة للجمهور لتشمل حصول حائز البطاقة على قروض إسكان وسلفٍ معاشية تقدمها المصارف في أجواء من التنافس، بضمان وجود الراتب ومن دون الحاجة لوجود كفيلٍ ضامن، كما كان معتمداً في آليات منح القروض والسلف، والتي سببت الكثير من ظواهر الاستغلال، عبر مساومة صاحب القرض على نسبة من قيمة الأموال مقابل تقديم
الكفالة.
وبعد أنْ بات معيار المنافسة بين المصارف معتمداً على أسلوب منح السلف والقروض لجذب أكبر عددٍ من الموظفين، في إطار العمل بالبطاقات الالكترونية بهدف تحقيق أهداف الشمول المالي باتجاه تقليل تداول العملات الورقيَّة واعتماد التداول الالكتروني، بات من المهم تحديد ملامح الخطوات اللاحقة، لسحب الكتلة النقديَّة المكتنزة الى ساحة التداول المصرفي، التي يقدرها البنك المركزي بنحو 70 بالمئة من النقد الصادر والبالغ نحو 44 ترليون دينار، ومن ثم تدويرها في العمليات الائتمانيَّة باتجاه خلق تنمية اقتصاديَّة مستدامة، ما يجعل توطين رواتب الموظفين خطوة أولى باتجاه التأسيس لثقافة الادخار وإعادة ثقة الجمهور بساحة التداول المصرفي، عبر استهداف عموم شرائح المجتمع بالخدمات المصرفيَّة في عموم مناطق البلاد.
ولأنَّ شرائح مجتمعيَّة عديدة لم تألف التعامل مع القطاع المصرفي، صار من الضروري البحث عن خدمات تستدعي هذه الشرائح للتعامل مع القطاع المصرفي في ظل إمكانيات الدفع الالكتروني، من قبيل أتمتة عمليات الجباية والرسوم وأجور الخدمات بأنواعها الصحيَّة والكهربائية مروراً حتى بالبطاقة التموينيَّة، وتقديم قروضٍ وسلفٍ في حدود معدلات حركة أموال حائز البطاقة في حسابه الجاري بعد مدة زمنيَّة محددة لغير الموظفين، أو تقديم قروض مستقبليَّة لمن يقوم بفتح حساب توفير أو حساب جارٍ تودع فيه الأموال لصالح الفئات العمريَّة الصغيرة، تضمن شراء وحدات سكنيَّة أو إقامة مشاريع صغيرة عند بلوغ هذه الفئات العمريَّة سن العمل، وبما يمنح صاحب الحساب حق تحريك هذه الأموال في حدود ماليَّة وزمنيَّة معينة، ما سيدفع باتجاه تكريس ثقافة الادخار وسحب الكتلة النقديَّة المكتنزة الى ساحة التداول
المصرفي. وبالتالي فإنَّ الخطوات الأخرى لما بعد توطين رواتب موظفي الدولة هي التي ستحدد مدى نجاح برنامج الشمول المالي مدعوماً بمحاور التوعية المصرفيَّة من خلال المواقع الالكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي، فضلاً عن أهمية حماية الجمهور من خلال اختزال حلقات الترهل في الخطوات الإجرائيَّة المتبعة في بعض المؤسسات المصرفيَّة التي ما زالت تعاني من العقل
البيروقراطي.