بوتين.. الحكم مدى الحياة أم تغيير حقيقي

بانوراما 2020/02/18
...

سابرا آيرز  ترجمة: خالد قاسم
 

عندما اقترح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تعديلات دستورية كبيرة مؤخرا، مما دفع بتبديل الحكومة كاملة، سارع المحللون لافتراض أنه يرسم منهاجا ليحكم روسيا مدى الحياة. ورغم العناوين الرئيسية عن الهزة السياسية الكبرى في موسكو لكن الروس غير واثقين مما يدور ببال الكرملين لمستقبل بلادهم السياسي.دعا بوتين خلال خطابه السنوي الموجه للأمة منتصف الشهر الماضي الى تعديل واسع بالدستور، ويبدو ذلك تمهيدا لفتح الطريق أمامه للحكم أكثر من نهاية فترته الحالية في العام 2024. 
 
وبعد ساعتين من الخطاب أعلن رئيس الوزراء دميتري ميدفيديف استقالة حكومته، وصارت روسيا فجأة وسط أكبر انقلاب سياسي منذ عشر سنوات.
نصّب بوتين خلال أسبوع ميخائيل ميشوستين رئيسا للوزراء ومن ثم أقر البرلمان قائمة الكابينة الجديدة، وعيّن مجلسا خاصا للاستشارة بالتعديلات الدستورية المقترحة، لكن قبل انعقاد أول اجتماع لهذه المجموعة قدّم الكرملين مشروع قانون لتعديلات مكتوبة مسبقا. ومرر الدوما التغييرات الدستورية بالاجماع بانتهاء القراءة الأولى بعد ثمانية أيام من اقتراح بوتين الفكرة بخطابه السنوي، وكان يجب أن يمرر القانون بقراءتين أخريتين قبل انتقاله الى البرلمانات الاقليمية لإقراره، وأخيرا يعود الى
 موسكو ليوقعه بوتين قانونا نافذا.
 
حكم أبدي
يفترض الروس أن بوتين يريد انشاء اطار دستوري يمكنه من الاستمرار في السلطة حسب رغبته، وما لا يتفق عليه أحد هو كيف يخطط القيام بذلك ولم يوضح بوتين نفسه أي شيء بهذا الخصوص. وأظهر بوتين خلال خطابه نيته منح البرلمان صلاحيات أوسع، ما أثار تكهنات بميله الى شغل منصب رئيس وزراء متنفذ في جمهورية برلمانية بعد العام 2024. وهذه ليست المرة الأولى التي يشغل بوتين فيها هذا المنصب، اذ شغله لمدة عامين قبل توليه الرئاسة عام 2000، ومن ثم بين العامين 2008 و2012 عندما كان ميدفيديف رئيسا. وانتخب بوتين رئيسا مجددا في العام 2012 وأعيد انتخابه قبل سنتين لفترة ثانية من ست سنوات.
سمح له التقلب بين المنصبين بالحفاظ على السلطة والالتزام بالمنع الدستوري لتولي الرئاسة أكثر من فترتين متتاليتين. وتقيد التعديلات الدستورية التي أقرها الدوما مؤخرا الرئيس بفترتين، سواء كانتا متتاليتين أم لا، مما يعني عدم قدرة بوتين على شغل المنصب مجددا. 
وعلى عكس ما أظهره خطابه فإن التعديلات لم تمنح البرلمان أو رئيس الوزراء صلاحيات أكبر.تقول ايكاترينا شولمان عالمة سياسة بالأكاديمية الرئاسية الروسية للاقتصاد الوطني والادارة العامة في موسكو: “عندما قرأت التعديلات الدستورية للمرة الأولى كان أول انطباع لدي هو لماذا هذه الضجة الكبيرة على تغيير ضئيل للغاية؟ تبقى روسيا جمهورية رئاسية قوية ومع حكومة لم تتشكل وفقا لنتائج الانتخابات البرلمانية، لم نكن ديمقراطية برلمانية، ولن نكون 
كذلك.” اذا لم يكن بوتين راغبا بتولي رئاسة الوزراء مجددا ولم يستطع الترشيح لفترة أخرى، فربما سيسعى لاستغلال مجلس الدولة، وهو مجلس استشاري واسع الانتشار يرأسه بوتين ويدفع نفسه الى دور شبيه لما يطلق عليه “أبو الأمة” بعد العام 2024. ويبدو أن بوتين طرح هذه الفكرة عندما تحدث مع مجموعة من الطلبة في منتجع سوتشي على البحر الأسود، اذ سأله أحد الطلبة اذا كان سيبقى “مرشدا” لروسيا على غرار “لي كوان يو” أول رئيس وزراء لسنغافورة، لكن بوتين أجاب بقوله “في بلادنا، اذا ظهر نوع ما من المؤسسات فوق الرئيس فيعني هذا سلطة ثنائية فحسب، وهذا وضع كارثي مطلق لدولة مثل 
روسيا”.
 
أهمية التوقيت
تعد النقطة الأكثر اثارة للاهتمام بالوضع برمته هي سرعة حصول كل ذلك الجزء، كما تقول شولمان. تذكر إحدى الفرضيات أن بوتين (68 سنة) قد يريد التنحي قبل انتهاء فترته بحلول العام 2024، وأظهر البعض أن الرئيس ببساطة متعب بعد 20 سنة من انشاء وقيادة هيكل سلطة مستبد ومركزي.
اذا صح ذلك سيواجه الكرملين معضلة، اذ كيف يسلّم بوتين السلطة سلميا الى زعيم جديد ويسمح في الوقت نفسه للنخبة الحاكمة الحفاظ على كل ممتلكاتها؟ ومما لا شك فيه أن البرلمان سيقر كل التعديلات الدستورية بأسرع وقت ممكن.
يحصل الروس عند حدوث ذلك على فرصة للمشاركة باقتراع عام، وسرعان ما أعلن الكرملين أن التصويت ليس استفتاء، لكنه لم يوضح ماهيته. ويستعد الروس أيضا لمواجهة أسئلة أخرى بلا جواب، فالتعديلات الدستورية نفسها لا تبدو قوية بما يكفي لاشعال احتجاجات كبيرة في الشوارع، وتبدو المعارضة الشعبية ضد التعديلات ضعيفة حتى الآن.