حكام الهند ينحازون الى الهندوسية

بانوراما 2020/02/18
...

شاشانك بينغالي  ترجمة: بهاء سلمان
 

تعد المشاهد القادمة من الديمقراطية الأكبر عالميا مثيرة للفزع، حيث اجتاحت الشرطة الهندية حرم الجامعات، وأطلقت الغاز المسيّل للدموع على الحشود، ويضربون الطلبة بالعصي ويعتقلون المئات منهم، بعد خروج الطلاب على مستوى مدن البلاد بتظاهرات سلمية للاحتجاج على قرارات الحكومة.
شرارة الاضطرابات كان سببها قانون الجنسية الجديد الذي يلمح المنتقدون لكونه لا ينصف السكان المسلمين، الذين يؤلفون 14 بالمئة من نسبة السكان البالغة أعدادهم ملياراً وثلاثمئة مليون انسان، وهي الأقلية الدينية الأكبر في بلد تبلغ نسبة الهندوس فيه ثمانين بالمئة.
وبتمريره قبل عدة أسابيع، يمثل القانون بالنسبة للكثيرين الخطوة الرئيسية الأخيرة ضمن مشروع استغرق سنوات نفذه رئيس الوزراء نارندرا مودي لاعادة صياغة الهند الى دولة هندوسية، بعدما تأسست سنة 1947 على أساس أنها جمهورية علمانية تعددية.
 
قانون انتقائي
هذه التظاهرات تعد المعارضة العلنية الأكثر لفتا للنظر ضد رئيس الوزراء خلال فترة حكمه التي زادت عن خمس سنوات لغاية الآن، وتهدد بالإضرار بسمعة البلاد الدولية في وقت تواجه فيه عقبات 
اقتصادية. 
ويبدو قانون تعديل المواطنة للوهلة الأولى مثل العقار المسكّن، وهو يفتح سبيلا للحصول على الجنسية الهندية للاجئين القادمين من ثلاث دول مجاورة تشهد صراعات: افغانستان وبنغلاديش وباكستان، الذين يقيمون حاليا كمهاجرين فيها بشكل غير قانوني.
لدى هذه الدول الثلاث أغلبية مسلمة، لكن القانون يمنح الجنسية لأتباع ستة أديان فقط، هي الهندوسية والبوذية والسيخ والمسيحية والزردشتية والجاينية، وتم استثناء
المسلمين منه.
وتبرر حكومة مودي تطبيق هذا القانون على اللاجئين القادمين من دول اسلامية بأن الهند ليست مضطرة لتوفير حماية خاصة للمسلمين. 
يقول مودي عبر تغريدة له: “يوضح هذا القانون ثقافة الهند الممتدة على امتداد قرون من القبول والانسجام والعاطفة والأخوة.”
ورغم ذلك، لم تمتد تلك العاطفة الى طوائف الأقلية المسلمة التي تواجه الاضطهاد، مثل الهازارا في باكستان، واللاجئين الروهينجا في بنغلاديش، ليصنّف المنتقدون القانون بأنه مناهض للمسلمين. 
وأتى القانون في أعقاب تسجيل مواطنين مثير للجدل تم تنفيذه هذا العام في آسام، الولاية المحاذية لبنغلاديش التي تضم أعدادا كبيرة من المهاجرين، نحو مليوني فرد، غالبيتهم من المسلمين، إذ تم اعتبارهم فاقدين لما يكفي من أدلة لاعطائهم المواطنة، فأجبروا على تقديم طلبات اصولية، أو مواجهة خطر أن يصبحوا بدون جنسية.
 
قلق مبرر
ومع إقامة سلطات آسام مراكز اعتقال لأولئك الذين تم اعتبارهم أجانب، وعد وزير الداخلية الهندي آميت شاه، الذي وصف الهند بأنها غارقة بالمهاجرين غير القانونيين، بنشر عملية التسجيل في أنحاء الهند كافة. 
وتعاني الهند من عدم توثيق عشرين بالمئة من الولادات، ويخشى الكثير من الهنود من احتمالية حذفهم بسبب انعدام الأوراق الثبوتية، ويمكن للبعض اعتماد قانون الجنسية الجديد لتثبيت أوضاعهم، لكن المسلمين ليسوا منهم.
غذت هذه المخاوف الاحتجاجات التي اندلعت مؤخرا في ولاية آسام، وشهدت أعمال عنف، ووصلت الى جامعة اسلامية عريقة وسط نيودلهي، ومنها الى نحو خمسين جامعة عبر 
البلاد. يقول ساداناند ضيوم، الزميل المقيم لدى المعهد الأميركي للمشاريع في واشنطن: “قلق المحتجين لا يدور حول أمور معتادة مثل التباطؤ الاقتصادي، هم قلقون من احتمال استيقاظهم يوما ما في بلد لن يعاملهم مجددا على أساس كونهم من المواطنين الهنود بشكل كامل.”
ثمانون بالمئة من السكان هم من الهندوس، فكيف تصير البلاد أكثر هندوسية؟ يعد حزب مودي، بهاراتيا جاناتا، الماكنة السياسية الأكثر هيمنة على الهند لعقود، وينظر له كجزء من موجة عالمية للأحزاب الشعبوية التي وصلت الى السلطة من خلال جذب الغالبيات الدينية أو الاثنية، ويعتقد الحزب بضرورة كبح جماح الهند بسبب تقاليدها العلمانية، وبسبب أجيال من قادة سياسيين كانوا يتوددون الى الأقليات.
ويؤكد ميلان فايشناف، مدير برنامج جنوب آسيا في مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي، وجود اجماع سياسي مطلق داخل الحزب بكون الهند بلدا هندوسيا  من الناحية الثقافية، وسيكون النقاش الجديد للحزب الحاكم  حول المدى الذي ينبغي أن تنتقل فيه من البلاد من التقاليد العلمانية الى الهندوسية، وترك الوضع الأول.
 
رياح التغيير
ومنذ تسلم مودي للسلطة سنة 2014، أعادت الحكومة كتابة المناهج الدراسية لازالة الاشارة الى المغول والمسلمين الذين حكموا الهند عبر مراحل ما قبل الاستعمار، وأعادت تسمية مدن تحمل أسماء مغولية ومسلمة وجعلها هندوسية. 
كما أقرت قوانين تحظر ذبح الأبقار، وهو الحيوان المبجل لدى الهندوس، الأمر الذي زاد من جرأة أتباع تلك الديانة والحزب الحاكم على مهاجمة مهربي الماشية، ليتم قتل عشرات الأشخاص، العديد منهم 
مسلمون.
وبعد تجديد فوزه المدوي بانتخابات مايس الماضي، أنجز مودي هدفا حيويا للحزب طال تأجيله بالغاء استقلال المنطقة الحدودية لاقليم كشمير ذات الغالبية المسلمة وغير المستقرة، واضعا اياها تحت السيطرة المباشرة للحكومة الاتحادية. 
ومع توقف تنفيذ وعود مودي بالاصلاح الاقتصادي وخلق الوظائف، تنامت حدة الخطاب المعادي للمسلمين من قبل الحزب الحاكم، فقد تحدث وزير الداخلية علانية عن ضرورة تخليص البلاد من المتسللين القادمين من بنغلاديش، وأشار قادة الحزب الى امكانية ترحيل المنتقدين لسياسات الحكومة الى باكستان.
هنا يطرح سؤال نفسه: الى أي مدى سيذهب مودي؟ يقول فايشناف: “تبقى شعبية مودي واسعة، مع منح الناخبين له مديات ضخمة لتفعيل برامجه، بالتالي سيكون الحال مثيرا للدهشة اذا ما أرغمت هذه الاحتجاجات على إعادة تفكير مفصلية بما يجري من أحداث”.
 كما يأمل مناصرو الحزب الحاكم مزيدا من التغيير، فقد كان الحزب كثير المطالبة بقانون موّحد يعمل على محو القوانين الاسلامية الخاصة بالزواج والطلاق، ويدعم القادة الكبار تشريعا وطنيا يصعّب تحوّل المرء من الهندوسية الى المسيحية أو الاسلام، رغم الضمانات الدستورية بحرية المعتقد الديني.
يقول ضيوم: “نظريا، رد الفعل العنيف لقانون الجنسية ربما يمنح الحكومة وقفة مؤقتة، لكن من الممكن تماما أن تقرر الحكومة مضاعفة جهودها وتنفيذ ما يسعها من برامج تغيير ثقافية في الوقت الذي يحظى به مودي بشعبية هائلة ضمن صفوف غالبية الهنود”.