مؤثرات التاريخ في رسم أحداث الحاضر

آراء 2020/02/19
...

علي لفتة سعيد
حين تضعف الأمة لا يمكن كبح جماح من يريد موتها، وحين تضعف الأمة تزداد في داخلها أعداد الخانعين والأذلاء. ربما يمكن لنا أن نضع الكثير من الأحكام والحكم والأمثال والشواهد على ما يحصل ويحدث في الأمة الإسلامية، وقبلها الأمة العربية، التي لا يمكن القبول من قبل الطبقة المثقفة بما آلت إليه الأمور، سواء على المستوى السياسي أو المستوى السلطوي، رغم أن الواحدة مرتبطة بالأخرى؛ كلما كانت السلطة قوية كان الواقع السياسي أقوى، والعكس صحيح.
وما نمرّ به اليوم لا يمكن فصله عن كل الأحداث التي شهدتها المنطقة والعالم خلال الخمسين سنة الماضية، لأنها ليست وليدة اليوم. وإذا ما أردنا العودة إلى جذر التاريخ، ليس القديم جدا، بل منذ وعد بلفور وإعلان دولة إسرائيل العام 1948، حتى الآن، والتي توّجت على مرحلتين: الأولى حرب العام 1973 كما اصطلح عليها، والثانية الربيع الذي أطلقنا عليه الربيع العربي، وهو عملية تنفيذ للمخطط الذي بدأت نتائجه قابلة للحصاد في زمن الرئيس الأميركي ترامب، الذي كان هو الرئيس الوحيد الذي نقل السفارة إلى القدس واعترف بأنّ الجولان إسرائيلية، ثم أعلن عن صفقة القرن التي تم وصفها من قبلنا على أنّها صفعة القرن.
إنّ صفقة القرن هي نتاج وحاصل جمع كل تلك السنوات من التخطيط المبرمج الذي نفذه بإرادة، أو علم، أو من دون ذلك، كل السلطات العربية والإسلامية، وبعدها الأحزاب الإسلاموية التي هي المهاد الثاني مع بعد الصراع العربي الإسرائيلي، إذ إنّ المرحلة الأولى كانت إيجاد رؤساء قادرين على  أن يتحولوا إلى طغاة، ومن ثم إلى رموز عربية، لكي يكون الصراع على وجودهم على أنّهم منقذو أمّة، وهم غير ذلك، ثم يأتي الصراع الثاني الإسلاموي على أنّه صراع آيديولوجي – ديني، ليتحوّل إلى صراع مذهبي - عقائدي يتمحور في إيصال الصراع إلى ذروته لكي يكون التنفيذ لمخطط صفقة القرن هو النافذة التي تطلّ منها رؤوس المخططين على الواقع العربي الذي تناوشته الأزمات منذ نهاية الأربعينيات من القرن الماضي حتى الآن، منذ جمال عبد الناصر وحقبة صدام حسين وحافظ الأسد ومعمر القذافي، بمعنى أنّ اليأس الذي يحصل في العالم العربي هو الغاية لكي يكون الواقع أن الحياة التي لا يمكن تثبيتها في البيت الخاص، لا يمكن أن تكون بمعونة في البيوت المجاورة، خاصة وأن أرباب البيوت، من السلطات السابقة، في المرحلة الأولى التي ذكرناها، كانوا يقبضون على السلطة والرقاب في السجون، ومن ثم السلطات في المرحلة الثانية يقبضون على السلطة بغسل العقول والقتل والاغتيال والتكفير والتخوين وإلصاق تهمة (الذيول) بكل من يعارضهم.
صفقة القرن صورة قاتلة للوضع العربي – الإسلامي كدول وشعوب انتهت بنا الحال إلى محاولة إقناعنا بالقبول بها، بما يمكن أن يضاف له من صراعات مناطقية ترتبط بالمذهبية أكثر من ارتباطها بالصراع الديني وتحويل الصراع من إسلامي - يهودي، إلى  صراع إسلامي – إسلامي، وهو الأمر الذي فتّت تلك الـ "لاءات" الثلاثة التي أطلقها العرب في مؤتمر الخرطوم العام 1967، ورفضهم الحلول التي قدمتها الأمم المتحدة، والتي كانت من بينها القبول بوجود إسرائيل وأن تكون القدس عاصمة فلسطين، فكانت تلك الـ "لاءات" من أشهر ما أطلقه العرب: ( لا صلح، لا اعتراف، ولا تفاوض مع العدو الصهيوني)
 لكن الأمر انقلب في المخططات ليكون الصمت العربي الذي لا يمكن انتقاده لأنه صورة أخرى للواقع الذي وصل إليه، وهي ذات السودان التي شهدت ذلك المؤتمر تطبّع مع إسرائيل بعد التوقيع على صفقة القرن، على اعتبار أن الشعوب تريد العيش بأمان لا حروب فيها. 
وأيضا صفقة القرن لا يمكن أن توجد لولا الصراع الفلسطيني - الفلسطيني الذي تحوّل من كونه صراعا من أجل التحرير إلى صراع من أجل الوصول إلى السلطة واستغلال الدِّين من قبل بعض الفصائل الفلسطينية وتناحرها من دون الاهتمام بما يحصل من عمليات قتل تنفذها إسرائيل، من دون أن يتحقق الهدف سوى الاستنزاف للبشر والأموال، لتكون الكوة التي فتحها ترامب كحاصل النتائج هو أن يكون هناك برنامج تطبيعي فعلي يسمى صفقة القرن، وألّا مجال لكي ندرك أنها صفعة لأننا في داخل صراع لا ينتهي حتى ينتهي الهتاف للزعماء.