هل تستمر عُمان وسلطانها الجديد بسياستها التقليدية؟

بانوراما 2020/02/21
...

سينزيا بيانكو
ترجمة:  شيماء ميران
جاءت وفاة سلطان عمان قابوس بن سعيد مطلع العام الحالي وسط فترة اضطراب خاصة غطت منطقة الخليج، بعد ان لعب دورا مهما في الدبلوماسية الاقليمية، إذ ساعد بتسهيل المفاوضات لاتفاقية ايران النووية خلال العام 2015، ورفض الانحياز لأي طرف في الحروب التي شهدتها اليمن وسوريا، كما رفض المقاطعة السياسية والحظر الاقتصادي على قطر. 
أطلق العمانيون عليه تسمية (أبو الشعب)، إذ عُرف عنه الحفاظ على استقلال البلاد في السياسة الخارجية خلال فترة حكمه التي امتدت الى 49 عاما. وكانت سلطنة عُمان خلال ثمانينيات القرن الماضي من بين الدول العربية التي اختارت عدم مقاطعة مصر لتوقيعها معاهدة السلام مع اسرائيل. وحافظت السلطنة إبان حكمه على علاقاتها مع ايران قبل وبعد الثورة الاسلامية، اضافة الى تسهيله العلاقات الدبلوماسية الايرانية مع السعودية والولايات المتحدة. وسيكون السؤال المهم لسياسيي المنطقة ما اذا سيتمكن خلفه من الاستمرار بهذا الدور الدبلوماسي المستقل؟
اختيار الخليفة 
كما هو معروف لم يكن لقابوس اولاد أو وريث محدد، لذا حال اعلان وفاته لم يستغرق مجلس الاسرة الحاكمة لعُمان إلا بضع ساعات لإتباع توجيهاته حول كيفية اختيار خلفه، ففي اليوم التالي لوفاة قابوس فتح مجلس الدفاع العُماني الظرف المختوم الذي يحوي وصيته، ثم أدى هيثم بن طارق آل سعيد اليمين ليكون السلطان الجديد.
وعكست سرعة اتخاذ القرار احتمال حدوث اضطرابات خطيرة، فأرادت الاسرة الحاكمة ان تظهر للعالم الخارجي بمظهر الوحدة والتماسك، كجزء من سعيها لمنع الدول المجاورة من الاستفادة من انتقال الحكم، وتجنب المداولات الطويلة ومحتملة الجدل بشأن اختيار مرشحها التي قد تجعل العملية حساسة وعُرضة للتدخل الخارجي.
كانت النُخبة العُمانية حذرة منذ فترة طويلة من هكذا تدخل محتمل في فترة التتويج الحساسة، ورغم ان الدول المجاورة مثل السعودية والامارات وقطر وايران جميعها لها مصلحة في مستقبل السياسة الخارجية والمحلية العُمانية، الا ان التنفيذ السريع والحاسم لوصية قابوس ابقاهم على
 الهامش.
 
السلطان الجديد
لطالما اُعتبر (هيثم) ابن عم قابوس هو الاقرب ليكون خلفا لقابوس، إذ لم تكن له خلفية عسكرية بعكس اخوته غير الاشقاء أسعد وشهاب، وإنما كان منهمكا في الشؤون الخارجية والتجارية والحقيبة الثقافية لعُمان.
تخرج السلطان هيثم في جامعة اكسفورد، حيث درس الدبلوماسية، وعمل وكيلا وامينا عاما ضمن وزارة الشؤون الخارجية، وهذه المهارات الدبلوماسية ستكون اساسية عندما يقود السياسة الاقليمية مع محافظته على السياسة التقليدية العُمانية، وهذا ما تعهد به مع اول تصريحاته. عُرف السلطان هيثم باهتمامه بالمبادرات الثقافية، فقد كان وزيرا للثقافة والتراث عام 2002، وبهذا شابه قابوس الذي عُرف عنه ايضا شغفه بالثقافة وخصوصا الموسيقى الكلاسيكية والاوبرا.
وكما هو الحال بالنسبة لبقية الاسرة الحاكمة العمانية فان هيثم المقرب من التاج البريطاني سيضمن استمرارية العلاقات المتميزة مع بريطانيا. كما أكد هيثم مجددا التركيز على الصداقة مع دول الجوار، وانتهاج مسقط سياسة الحياد بين الرياض وطهران. وستبقى هناك علاقتان متوترتان يُنظر فيهما، اولها مع الولايات المتحدة التي ساءت خلال فترة رئاسة ترامب، والاخرى مع الامارات التي تصطدم بالحزم الاستباقي للميول العُمانية بالاعتدال والاستقرار. 
 
التحديات الاقتصادية المقبلة
ربما كانت اهم خبرة اكتسبها هيثم سنة 2013 عندما عيّنه الراحل قابوس رئيسا للجنة تطوير رؤية عُمان 2040، وهي الخطة التي تهدف لتنويع اقتصاديات السلطنة بدلا من الاعتماد المفرط على مصادر الطاقة الشحيحة. وكان هذا الاختيار مهما رغم ان سمعته قد بدأت تتأثر بسبب إخفاق مشروع العقارات التجاري الفخم في المدينة الزرقاء، الذي كان يجب ان يُدعم من قبل الحكومة عام 2012، عندما كانت مشاعر الربيع العربي ضد الفساد وسوء إدارة الاموال والنخب العامة قد وصلت ذروتها داخل السلطنة.وبالتالي فمن المحتمل انه سيواجه المزيد من التدقيق من قبل العُمانيين بشأن الاقتصاد، إذ تنتظره تحديات كبيرة مقبلة. ومع تزايد اعداد السكان العازمة على الدفاع عن مستواها المعيشي المترف، وركود الاقتصاد نتيجة زيادة أعداد موظفي القطاع الحكومي والانفاق العام، واجهت سلطنة عُمان عجزا ماليا متواصلا ولجأت باستمرار الى إصدار سندات الاقتراض في سوق السندات الدولية، والآن هي عالقة وسط دوامة سداد الديون، وبلغت نسبة بطالة الشباب نحو عشرة بالمئة، لذا ستحتاج عُمان الى القيام بإصلاحات غير معهودة وعلى نحو عاجل. وسيتحتم على السلطان الجديد ان يقوي علاقاته مع العوائل العُمانية الثرية لاجتذاب استثمارات كبيرة خاصة على الصعيد المحلي، ورؤوس الاموال الاجنبية. وسيكون من المهم كسب ثقة شعبه لأنه قد يضطر لخفض الإنفاق العام والتوظيف.  
 
راية واحدة
حتى وان كان (هيثم) هو السلطان في نظام مطلق، فلن يتمكن من بسط حكمه من غير كسب قلوب وعقول الشعب العماني. فهو من حل محل قابوس الذي كان مبجلا لأنه يُعتبر تجسيدا للهوية العُمانية الوطنية، حتى ان تاريخ يوم العيد الوطني للبلاد طالما تزامن مع تاريخ مولد قابوس.
لقد شكّل الملك الراحل السلطنة وسط حربين اهليتين؛ واحدة مع بقايا الإمامة داخل البلاد، والاخرى مع جماعات الماركسية اللينينية جنوبي ظفار، وتمكّن من دمج الاعراق المتنوعة في البلاد معا ومنها العديد من القبائل والمجتمعات ذات التركيبة الاجتماعية السياسية الواحدة تحت ظل حاكم واحد وراية واحدة. 
كما اتبع ستراتيجية سياسية شاملة ركزت على التعاون مع المنافسين المحتملين والسابقين، والعمل بلا كلل على تشجيع رفض التطرف والدعوة للتعايش السلمي، الى جانب قيادته سياسة القصر بمهارة خلال فترات التوتر والتقلب السياسي مثل الربيع العربي، من خلال المحافظة دائما على تحكيم العقل قدر الامكان. أما السلطان الجديد هيثم الذي يتمتع بشخصية هادئة تأملية فسيتوجب عليه الاستفادة من جميع هذه العناصر الرئيسة للشخصية الوطنية العُمانية كي يتمكن من تجاوز المراحل الصعبة 
المقبلة.